خطة الإصلاح الفلسطينية .. ضرورة وطنية
رام الله في 28 سبتمبر /العُمانية- فانا/ كان لافتًا رضى الحكومة الفلسطينية من اجتماع المانحين هذه المرة، الذي عُقد في نيويورك في 25 من سبتمبر الجاري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومبعث الرضا الفلسطيني من هذا الاجتماع الذي شاركت فيه 30 دولة ومؤسسة دولية؛ إقرار المشاركين وترحيبهم بجدية وعمق الإصلاحات المالية التي بدأت الحكومة الفلسطينية تنفيذها، والتي كانت إحدى التوصيات الثلاث الثابتة في اجتماعات لجنة ارتباط وتنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، إضافة إلى مطالبة إسرائيل بإزالة القيود التي تفرضها على الاقتصاد الفلسطيني، أو تخفيفها على الأقل، ودعوة المانحين إلى زيادة مساعداتهم للسلطة الفلسطينية.
الإصلاحات التي حملتها الحكومة الفلسطينية إلى اجتماعات المانحين، وفق مستشار رئيس الوزراء للتخطيط وتنسيق المساعدات "اسطفان سلامة"، تتوزع في ثلاثة محاور رئيسية: تقليل فاتورة رواتب الموظفين العموميين، وإصلاح النظام الصحي بما يقود إلى تقليل فاتورة التحويلات الطبية إلى الخارج، وأخيرًا معالجة صافي الإقراض، وهو بند في جانب النفقات العامة نشأ عن اقتطاعات إسرائيل من المقاصة، بدل خدمات تشتريها جهات أخرى كشركات الكهرباء وبلديات، وتحولت إلى دَيْن على هذه الجهات لصالح الحكومة.
في تفاصيل خطة الإصلاح، تخطط الحكومة إلى خفض فاتورة الرواتب، والبالغة 200 مليون دولار شهريًّا، بنسبة 25 بالمائة حتى نهاية العام الجاري، ليصل الخفض إلى 50 بالمائة مع نهاية العام القادم، وهي خطوة يرى وزير المالية شكري بشارة أنها باتت ضرورية لمنع انهيار النظام المالي الفلسطيني، إذ قال: "لا يمكن أن يستمر الوضع وتبقى فيه الرواتب وأشباه الرواتب تستهلك 100 بالمائة من الإيرادات العامة، فهذا غير ممكن".
كما كشف وزير المالية عن عديد من الإجراءات لـ"تنقية الرواتب من الشوائب"، كعلاوات وبدلات غير مستحقة، لكن حجز الزاوية في هذا المحور من الإصلاح يتمثل بإحالة أعداد كبيرة نسبيًّا من الموظفين إلى التقاعد.
وأوضح وزير المالية أن معظم الخفض في فاتورة الرواتب هذا العام 30 بالمائة، سيأتي بإحالة عدد من الموظفين إلى التقاعد الاختياري -بناء على طلبهم-، على أن يتوسع الإجراء في العام القادم إلى إحالة اجبارية لعدد آخر من الموظفين المدنيين ومنتسبي الأجهزة الأمنية، إذ يبلغ إجمالي عدد موظفي السلطة الفلسطينية حاليًّا نحو 140 ألف مدني وعسكري، ولا يُعرف حتى الآن عدد المتوقع إحالتهم إلى التقاعد، اختياريًّا أو إجباريًّا، والذي قد يتجاوز 30 ألف موظف.
ووفقًا لوزير المالية الفلسطيني، سيرافق عملية الإحالة إلى التقاعد وقف شبه تام للتعيينات، باستثناء قطاعي الصحة والتعليم، ومعالجة ملف الموظفين غير الفاعلين، وتقنين المياومات والعقود، ووقف العلاوات غير المبررة، والترقيات.
وفيما يتعلق بصافي الإقراض، يؤكد وزير المالية بشارة إن جهد الحكومة ينصب الآن على خفض هذا البند، وبلغ صافي الإقراض في النصف الأول من العام الحالي 373 مليون دولار، متجاوزًا بفارق ملحوظ تقديرات الحكومة في الموازنة عند 229 مليون دولار.
ويؤكد بشارة أن الحكومة مصممة على معالجة النزيف الذي تتسبب به التحويلات الطبية إلى خارج مراكز الصحة، معتبرًا أن تحقيق هذا الهدف "بحاجة لمعالجة شاملة للنظام الصحي، بما يحسن الخدمات داخل مراكز الصحة الحكومية، وبناء نظام تأمين صحي أكثر عدالة ".
وتضطر وزارة الصحة الفلسطينية إلى تحويل المرضى الذين لا يتوفر لهم علاج في مراكزها إلى مستشفيات القطاع الخاص، أو دول أخرى من بينها إسرائيل، ما يستنزف مبالغ بمئات ملايين الدولارات سنويًّا من الخزينة العامة؛ إذ بلغت كلفة التحويلات الطبية من وزارة الصحة الفلسطينية نحو 300 مليون دولار في العام 2021، شكلت قرابة 30 بالمائة من إجمالي النفقات التشغيلية لكافة الوزارات.
في المقابل تحرص الحكومة الفلسطينية - رغم بدء هذه الخطة الطموحة للإصلاح المالي- على التأكيد دومًا أن أساس الأزمة المالية المزمنة التي تعانيها، والعجز المتراكم في المالية، سببه الرئيسي الممارسات الإسرائيلية لمنع تطور الاقتصاد الفلسطيني، وانتهاكاتها المستمرة للاتفاقات الثنائية، خصوصًا بروتوكول باريس الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الطرفين، والتنفيذ غير المتكافئ لبنوده.
وتقول السلطة الفلسطينية: إن هناك ثلاثة ملفات مالية عالقة مع إسرائيل، أبرزها المتعلق بأموال جرى اقتطاعها من المقاصة الفلسطينية من طرف واحد، خلافًا للاتفاقيات والقوانين الدولية، مقابل ما تدفعه السلطة من مخصصات لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى، وبلغ المجموع التراكمي لهذه الاقتطاعات من عام 2019 حوالي 550 مليون دولار.
كما تؤكد أن هناك غيابًا للشفافية في احتساب قيمة المقاصة، والمبالغ الإضافية التي يدفعها الفلسطيني كرسوم على المعابر الدولية، وعمولة جباية الضرائب من قبل إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية.
وتقول وزارة المالية الفلسطينية: إن معالجة هذه الملفات توفر للخزينة العامة ما لا يقل عن 500 مليون دولار سنويًّا، من شأنها خفض العجز في الموازنة العامة إلى أقل من النصف.
وتأمل الحكومة الفلسطينية أن تقنع خطة الإصلاح - التي بدأت تنفيذها - المانحين بإعادة ضخ المساعدات للخزينة العامة الفلسطينية، والتي شهدت تراجعًا كبيرًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وباتت أقل من 30 بالمائة عن مستواها في العام 2013.
/العُمانية/
محمد السيفي