الجزائر في 24 مارس /العُمانية/ في كتابه الصّادر باللُّغة الفرنسيّة، تحت عنوان "القصبة في السّينما" (دار موزاييك بوك للنشر/ 2025)، يرصد الباحث والسّينمائي الجزائري، جمال محمدي، مسيرة قرن من الأعمال السينمائيّة التي شكّل فيها حيّ القصبة العتيق في الجزائر العاصمة، بطلا من أبطال الشاشة الفضيّة، ومصدر إلهام للعديد من المخرجين السّينمائيّين الجزائريّين، والعالميّين.وعلى الرغم من الزخم، والبلاتوهات السّينمائية والأفلام العالميّة التي صُوّرت به، وحفلت بها أزقته ودروبه وحاراته المتعدّدة، لفترة تمتدُّ لأكثر من قرن من التصوير السّينمائي (1895/ 2020)، والوجوه والشّخصيات الفنيّة والسّينمائية الشّهيرة التي حفل بها حيُّ القصبة، يؤكّد مؤلّف الكتاب، إلا أنّ هناك قلّة في المراجع والكتب التي تؤرّخ للتجربة السّينمائية لحيّ القصبة، باستثناء تلك المقالات التي صدرت بالصحف الوطنية، أو الأجنبية، أو تلك الإشارات البسيطة بين طيّات الكتب، وبعض المواقع على الانترنت، والتي تناولت حيّ القصبة مثل فضاء مميّز للتّصوير السّينمائي.ويؤكّد، جمال محمدي، في حديث، لوكالة الأنباء العمانية، قائلا: "لا يوجد إلى اليوم بحيّ القصبة، متحفٌ أو فضاء يؤرّخ للتجربة السّينمائية والتصوير، ويُخلّد هذا الحيّ السّينمائي بامتياز، ويحفظ له فضله الكبير على السّينما العالمية والجزائرية على وجه الخصوص، مع أنّ اسم القصبة قد اقترن ببداية دخول الفن السابع إلى أرض الجزائر، منذ عام1895، وصُوّرت به أشهر الأعمال السّينمائية العالميّة والجزائرية، على حدّ سواء".ويُشير مؤلّف الكتاب، بالقول "من هنا بدأت رحلتي في البحث، وقراءة كلّ ما كُتب، وتمّ تصويره من أفلام، وأشرطة وثائقية، وروبورتاجات صحفيّة بحيّ القصبة، منذ 1895 إلى يومنا هذا، ومن حسن حظنا أنّنا وجدنا بعد الاطّلاع والبحث في الأرشيف الخاصّ، الذي احتفظت به ذاكرة الأنترنيت، فيما يتعلّق بالتصوير السّينمائي بالقصبة، ما يُؤرّخ ويُوثّق للأفلام السينمائية، والأشرطة المصوّرة أثناء فترة الاحتلال، إلى جانب بعض الكتابات والأرشيف الخاصّ بالسّينما الجزائرية، على قلّته، من حيث ثراء المادّة وتنوُّعها، ما استوجب منّا جمعه، وترتيب موضوعاته، بهدف ترميم وإثراء ذاكرة السّينما الجزائرية".ويضيف "حاولتُ أن أعرض كتابي هذا عبر مراحل ومشاهد أساسيّة تتقاسم فيما بينها، وحسب التتابع الزمني للأفلام والأشرطة الوثائقية، بحسب الأرشيف المتوفّر الذي يعود إلى سنة 1895، فيما يتعلق بأوّل ظهور للقصبة على الشاشة، واستقبال القصبة لبلاتوهات التصوير السينمائي، بأول فيلم روائي طويل صامت وعنوانه "لبلاد " ( Le Bled) للمخرج الفرنسي جان رينوار (Jean Renoir) عام (1929) ، مع ملاحظة أنّ أوّل فيلم سينمائي، روائي خيالي، هو فيلم الأطلنطي(l’Atlantide) للمخرج جاك فايدر Jacques Feyder (1922) في نسخته الأولى".وقد قسّم المؤلّف الكتاب إلى قسمين؛ تمتدُّ المرحلة الأولى ما بين (1895-1960)، وهذا ما أدرجه صاحب الكتاب ضمن إطار السّينما الفرنسية "الكولونيالية"، أوما يُعرف بسينما شمال أفريقيا (Cinéma de l’Afrique du Nord)، والتي لا يمكن اعتبارُها، بحسب المؤلّف، إلا تراثا سينمائيًّا إنسانيًّا، لأنّها في النهاية جزءٌ لا يتجزأ من تاريخ الجزائر.أمّا المرحلة الثانية، فتمتدُّ بين (1963-2020)؛ وتشتمل على الأفلام والأشرطة السّينمائية، والأعمال التلفزيونية الكبيرة المصوّرة بالقصبة بعد الاستقلال.ويؤكّد الباحث لوكالة الأنباء العُمانية على أنّ هذا الكتاب جمع بين دفّتيه ما يقارب الـ 100 فيلم سينمائي، بين روائي طويل، وقصير، وشريط وثائقي، فضلا عن الإنتاجات التلفزيونية المصوّرة بحيّ القصبة، والتي تتعدّى 400 عمل تلفزيوني.ويرى الباحث أنّ هذا الكتاب، هو محاولة تدوين، وحصر أغلبية الأفلام الروائيّة الطويلة، والقصيرة، والأشرطة السينمائية الوثائقية، وبذلك يكون أوّل كتاب يجمع، ويُصنّف، ويؤرّخ لتلك الإنتاجات التي تمّ تصويرُها بحيّ القصبة، خلال الفترة الممتدّة بين 1895 و 2020، كما يرصد أيضا، تاريخ ونشأة السّينما على أرض الجزائر، من خلال توثيق، وفهرسة الأفلام، ومراجعتها، بالتصنيف، والتدقيق، خاصّة فيما يتعلق بسنة الإنتاج، والوجوه السّينمائية التي ظهرت في هذه الأفلام، من مخرجين، وممثلين، وأماكن تصوير، وكذا الموضوعات التي تناولتها.ويُشير المؤلّف إلى أنّ الكتاب تضمّن، استثناءً، بعض الأفلام التلفزيونية، لسببين اثنين؛ الأول، هو أنّ هذه الأعمال التلفزيونية، أصبحت اليوم من كلاسيكيات الأفلام الجزائرية التي أنجزتها الإذاعة والتلفزيون الجزائري، على أساس أنّها صُوّرت على شريط 16 مم، أو 35 مم، مثلما هو الحال بالنسبة لفيلم "الليل يخاف الشمس (La Nuit a peur du soleil) لمصطفى بديع (Mustapha Badie) وغيرها من الأفلام التي شملها الكتاب، والسّبب الثاني، يعود إلى أنّ هذه الأفلام تحتلُّ اليوم، مكانة خاصّة في قلوب الجزائرييّن، لخصوصيّتها التاريخيّة والاجتماعية، ذلك أنّها أُنتجت غداة الاستقلال، وتعدُّ نقطة تحوُّل فاصلة في مسار الصّناعة السّينماتوغرافية والإنتاج التلفزيوني في الجزائر، على غرار المسرحية المصوّرة تحت عنوان "أبناء القصبة" لعبد الحليم رايس، والتي صوّرها التلفزيون الجزائري عام 1963، بحيّ القصبة العتيق، أو الفيلم الشّهير "أولاد نوفمبر" (Les Enfants de Novembre) الذي أخرجه موسى حداد سنة (1975).
وقد ارتأى المؤلّف تقسيم الكتاب، منهجيًّا، إلى ما يلي: المشهد الأول: القصبة.. التاريخ والسّينما، الصُّور الأولى للفن السّابع في الجزائر.. مشهد عام (1898/1923)، والمشهد الثاني: القصبة في أفلام السّينما الكولونيالية، سينما شمال أفريقيا (1911/1954)، والمشهد الثالث: أفلام ما بعد الاستقلال (1962/2020)، والمشهد الرابع: القصبة في الأشرطة الوثائقية ما قبل الاستقلال (1905/1962)، والمشهد الخامس: القصبة في الأشرطة الوثائقية ما بعد الاستقلال (1962/2020)، والمشهد السادس: الأفلام والأشرطة التلفزيونية (1963/2020).يُشار إلى أنّ، جمال محمدي، مؤلّف هذا الكتاب، باحثٌ، وسينمائيٌّ جزائريٌّ، وُلد عام 1963، بمدينة المسيلة (جنوب الجزائر)، وحصل عام 2014 على جائزة أحسن سيناريو عن فيلمه الأول "عائد إلى مهد السينما" ضمن فعاليات الدورة الـ 5 للأيام السّينماتوغرافية للعاصمة الجزائرية، كما أصدر كتابا بعنوان "مهد السّينما الجزائرية.. ذاكرة تصوير من 1923 إلى 2017" (2018)./العُمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري
