عمّان، في 24 فبراير/العُمانية/ترتكز أعمال المهندس المعماري والفنان التشكيلي الأردني عمار خماش على نهج يهتم بالتراث الثقافي والإنساني والطبيعي مع العناية بتقديم تصاميم هندسية تتفاعل مع محيطها بانسجام، تأخذ منه وتمنحه من غير أن تؤثر على جوهره أو تمسّ مكوناته الطبيعية.
وتشي جميع أعمال خماش، سواء في مجال ترميم الأبنية، أو في الهندسة المعمارية، أو في الرسم على القماش، أو في التصوير الفوتوغرافي، أو في تصميم المجوهرات، بفهم عميق للأنظمة البيئية الطبيعية، ومكوناتها التي تتجلى كما لو أنها كائنات حية تحتاج إلى مساحتها الخاصة، وإلى رؤية عميقة توازن بين العنصرين الطبيعي والبشري.
هذا ما تكشف عنه مقولة الفنان: "الموقع هو المهندس المعماري"، في إشارة إلى أهمية أن يكون المعمار القائم في مكان ما خاضعًا لشروط ذلك المكان وخصائصه التي تمنح المهندس المعماري قدرة على التخيل ونظرة بعيدة نحو المستقبل.
وخلال ما يزيد على ثلاثة عقود من التجربة الفنية التي خاضها عمار خماش في مختلف التخصصات، عمل خلالها في العديد من الدول العربية مثل الأردن وسلطنة عُمان وفلسطين ومصر وسوريا والإمارات العربية المتحدة، حاول الفنان بشكل مستمر تعزيز فكرة أهمية الحفاظ على التراث بما يضمن القدرة على التعايش بين الإنشاءات البشرية والبيئة الطبيعية.
هذا ما تؤكده إنجازات خماش في مجال العمارة: تصميم مبنى الأكاديمية الملكية لحماية الطبيعة، وترميم المبنى العثماني لمتحف أم قيس، وترميم كنيسة الرسل ومريم العذراء البيزنطيّة في مدينة مادبا، وترميم كل من قرية محميّة ضانا، ومتحف سكة الحجاز، ومركز البيئة الأردني، ومسجد الناصرة الكبير في فلسطين، وقد نال خماش لإنجازاته جائزةَ الاستدامة العالمية في عام 2019، ليكون بذلك أول مهندس معماري عربي يفوز بهذه الجائزة.
لقد مثلت الطبيعة المحور الأساس لاشتغالات خماش، الذي استخدم في تصاميمه مواد مأخوذة من البيئة المحلية من حجارة وصخور، واستلهم في تشكيلاته النقوش والتفاصيل الخاصة بالمنطقة، وهو ما جعل من أعماله نموذجًا لتماهي الشكل المعماري مع الموقع الطبيعي.
وفي مجال الرسم قدم خماش الحاصل على درجة الدكتوراة في الهندسة المعمارية من جامعة جنوب غرب لويزيانا بالولايات المتحدة، العديد من الأعمال التي راوحت بين الأحجام الكبيرة والمتوسطة، وحملت مشاهد تقترب من الرؤية الرومانسية الحالمة المستمدة غالبًا من تصوير الفنان للمناظر الطبيعية سواء في المدن أو الغابات أو الصحارى والجبال.
هذه الأعمال تشبه إلى حدّ ما توثيقًا فنيًّا خاصًّا بالفنان لأماكن تعلّق بها، واستكشفها سيرًا على أقدامه، واختبرها عن قرب ليس مثل سطوح مادية مجردة، بل مثل مكونات ثرية تشكلت من طبقات فوق أخرى حاملةً معها في كل طبقة جزءًا من تاريخ الأرض وسيرة حياتها، ولا غرابة في ذلك، فقد درس خماش أيضًا علم الآثار الإثنوغرافي في معهد الآثار والأنثروبولوجيا بجامعة اليرموك.
ومن اللافت أن رسومات خماش تتنوع ألوانها بحسب طبيعة المكان الذي تعبّر عنه، فقد تكون مشرقة وفاتحة حين يرسم مشاهد لجبال من الصخر الطباشيري، وتكون غامقة وحادّة حين يهتم برسم مشاهد للصخور البركانية والحجارة البازلتية، وأحيانًا تتنوع بين الألوان الفاتحة والغامقة لتعبّر عن مشاهد من الطبيعة المستوحاة من الغابات الخضراء والأزهار البرية.
إلى جانب ذلك، لعمار خماش أعمال تركيبية فنية دمج فيها بين التشكيل والتصوير والمعمار والموسيقى، وأبرزها مشروعه "موسيقى الصحراء"، الذي قدم له بقوله: "للصحراء موسيقاها الخاصة، فكل حجر هو آلة بحدّ ذاته، وكل حجر يمتلك سرًّا، ففيه أكثر من نوتة موسيقية".
وقد بدأ الفنان دراسة أصوات الحجارة من خلال الاعتماد على تطبيقات للنوتات الموسيقية عبر الأجهزة الذكية، وحين وجد أن أصوات الحجارة يمكن أن تعبّر عن كل النوتات الموسيقية قام بتجميع حجارة الصوان وجعلها متراكبة فوق بعضها البعض على شكل طبقات، ثم أخذ ينقر عليها ليستخرج النغمات الكامنة في الحجارة التي جمعها من الصحراء وتعود للفترة الجيولوجية الطباشيرية.
وبذلك، فإن الفنان يؤشر على أهمية قراءة صوت الحجر الذي ربما ينقل لنا جزءًا من قصته القديمة مع الإنسان، فخماش يرى أن العديد من الرسومات وصلت إلينا لتعكس حياة الإنسان قديمًا، غير أننا لا نملك أصواتًا تعبّر عن تلك الحياة، ولو امتلكنا لربما نغير رؤيتنا الحالية لما وصَلَنا وبشكل شبه كامل.
/العُمانية/النشرة الثقافية /طلال المعمري