عمّان، في 20 يناير/ العُمانية/ يعدّ البيت الذي أصبح مركزًا ثقافيًّا باسم "بيت شقير للثقافة والتراث" من أقدم البيوت في العاصمة الأردنية عمّان التي كانت وقتَ بنائه بلدةً صغيرة تحيط بها المزارع والبساتين.
بُني هذا البيت وفق الطراز المعماري "الشامي"، حيث تتوسط الساحةَ نافورةُ ماء تحيط بها النباتات والأزهار، مع ركن مخصص لـ "المونة" (التخزين)، يعلوه طابق دائري يطل على "أرض الديار" وتتوزع فيه الغرف التي تؤوي ساكني البيت.
يتسم البيت بالنمط المعماري الفريد وبقدرته على الجمع بين عراقة الماضي وجماليات الحاضر، حيث ينسجم التصميم الهندسي الذي حافظ على روح البناء مع توزيع قطع الأثاث البسيطة والعريقة في آن، بينما تطل الشرفة على بيوت عمّان القديمة التي تَظهر متراكبة في طبقات مثل دالية عنب ممتدة الأغصان تغطي الجبال.
يتكون البيت من 23 غرفة، وقد شيّده "خليل شقير" قبل أكثر من 115 عامًا ليكون مقرًّا لعائلته التي كان أفرادها يأتون من دمشق والحجاز ليقيموا فيه لأشهر، واختار صاحب البناء مكانًا قريبًا من وسط المدينة التي كان يعبُرها سيل كبير يعيش الناس في محيطه، وكان السيل يفيض في فصل الشتاء، لذا بُني البيت على سفح جبل عمّان الذي كان وقتَها من الأحياء الناشئة على أطراف المدينة البكر.
عُرف صاحب البيت آنذاك بتاجر للحبوب والمواشي، وكان يأتي إلى عمّان في رحلاته التجارية حتى مطلع القرن الماضي، وحين أحرق الاحتلال الفرنسي بيته في دمشق عام 1927 قرر أن يستقر في عمّان ويبني هذا البيت، وفي منتصف ثلاثينات القرن الماضي تم تأجير البيت بجميع غرفه ومرافقه إلى دائرة المعارف ليصبح مدرسة للذكور، ثم تحولت بعد سنوات إلى مدرسة للإناث، واستمر البناء مُسْتَأجرًا لمدرسة حتى منتصف القرن الماضي حيث هُجر قبل أن يتم ترميمه وإعادة استخدامه في عام 2007.
ما إن يدلف الزائر البوابة الخشبية المهيبة للبيت حتى يطالع مرآة خزفية من الأصداف، وخزانة قديمة، وإلى اليمين يمكنه رؤية "غرفة ستّي" التي تحتوي على مقتنيات الجدة؛ من مثل الأواني التي كانت تُستخدم قديمًا، وصحون الزجاج والكؤوس المذهّبة التي كان يتم شراؤها من بريطانيا وتركيا، والملاعق الفضية والذهبية الفاخرة، و"البُقَج" التي كانت تمثل حقائب للترحال والتنقل، بينما تمثل الجدران نوافذ للاطلاع على تاريخ العائلة عبر الصور.
وهناك غرفتان كبيرتان تطلان على جبال عمّان، وجاءت النوافذ فيهما من الزجاج الملون، وحافظت أعمال الترميم على البلاط الأصلي الذي عُرف بتشكيلاته الهندسية المميزة، كما حافظت على البناء الأساسي للبيت الذي شُيّدت بعض أجزائه بالطين والقشّ، في حين جاء السقف وفق نظام "العَقْدات" وهي جسور من الحديد الصلب.
ويؤكد مدير البيت، سميح شقير، أن هاجس الحفاظ على البيت سيطر على العائلة، لذا تَقرر ترميمه وتخصيصه بجعله مساحة ثقافية فنية، مهيأة لاحتضان الفعاليات الثقافية والأدبية والموسيقة، كما فتح البيت أبوابه للورش المتخصصة بالرسم والنحت والخزف والفسيفساء وغيرها من الأعمال والحِرَف واليدوية. وفي رحاب البيت، تم تصوير أحداث مسلسل "الطريق إلى القدس.. باب الواد"، لأن النمط المعماري لمنطقة بلاد الشام هو في جوهره نمط واحد.
/العُمانية/ النشرة الثقافية
جعفر العقيلي