الأخبار

معرض "تجلّي" لهند ناصر.. إسقاطات جمالية للحالة الذهنية
معرض

عمّان، في 13 يناير/العمانية/ تبدو الدوائر بطلًا رئيسًا في لوحات الفنانة الأردنية هند ناصر بمعرضها "تجلّي"؛ إذ سرعان ما تجذب نظرَ المشاهد بينما هي تتناثر في غير اتجاه على الجداريات، محققةً بذلك إدهاشًا بصريًّا.

ويمكن للمتلقي معاينة الدوائر في الجداريات المعروضة بالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة وهي تندفع نحو الأطراف متحررةً من سطوة المركز وسلطته، كما لو أنها شظايا انفجار تركت مكانها لتتوزع بين خطوط وتشكيلات لونية مشرقة وكثيفة، وهنا يمكن عَدّ الدائر رمزًا للحياة والوجود، نقطة يبدأ منها خط الزمن وإليها ينتهي ثم يتكرر.

تدعو الجداريات المرسومة على القماش كل من يقف أمامها للتفكر في عوالم موازية، مرئية وكامنة في الخلفية على حد سواء، وهو ما تؤكده الفنانة بقولها إن المعنى الحقيقي لأعمالها ينطوي على فكرة أن الإدراك البشري "يمكنه أن يسافر إلى تخوم عوالم كثيرة، وأن يرتحل فيها في الوقت الذي يختاره".

تمثل التشكيلات التجريدية المعبأة بالرموز والدلالات فوق سطوح الأعمال، نتاج المرحلة الحالية لتجربة هند ناصر غزيرة الإنتاج والمتجددة فيما تقدمه بين معرض وآخر. وهي تمثل مرحلة التأمل العميق لجريان الحياة وتقلباتها، ومرحلة البحث المتأني في هواجس الإنسان وتقاطعاته الفكرية مع ما يحيط به، ومرحلة البحث عن أسئلة حول الأصول والبدايات واللانهائي والحياة والجوهر والعمق.

ورغم أن اللوحات لا تقدم إجابات نهائية على كل ما تطرحه من أسئلة، إلا أنه بالإمكان تلمُّس بعض الإجابات من خلال التفكر في رمز الدائرة الجوهري، فالحياة يحكمها في النهاية قانون الفوضى، ومن خلاله يتجلى انتظامها وتتحقق ديمومتها.

تقول الفنانة: "قد تكشف أعمالي عن بعض الإجابات، وقد تثير التأمل، أو قد تُعتبر ببساطة إسقاطاتٍ جمالية لحالتي الذهنية. أياً كان الأمر، فهي مجرد محطة أخرى في رحلة الحياة، التي تتغير باستمرار. مثلنا تمامًا".

تُبرز أعمال ناصر التدفقَ الخارجي المستمر للطبيعة، وانعكاس ذلك الخارج على العالم الإنساني الداخلي، لذا فهي تطرح موضوعات تتجاوز الحدود بين الداخل والخارج، وبهذا فإن تشكيلاتها الرقيقة التي تحيل إلى أزهار السوسنة والخشخاش والزئبق تعتمد على خيال المتلقي للعمل وثقافته، إذ يمكن أن تكون هذه التشكيلات تجسيدًا لمقولة إن الأزهار أولى المخلوقات على الأرض، لهذا فهي تجسد معاني الكمال والجمال، وقد يُنظر للزهرة على أنها المفردة التي تمنح الكون توازنه وجمالياته وتنوعه.

تقول الناصر في تقديمها لمعرضها إنها حاولت إبراز المشاعر والأحاسيس بعمق لتطلق "الطاقة الإيجابية الكامنة في دواخلنا"، مؤكدة أننا بالجمال والتمسك بالأمل "يمكننا مجابهة الواقع السلبي الذي يواجهنا".

وتبدو جداريات هند ناصر وأعمالها الأخرى التي بلغ عددها 53 لوحة، مفعمة بالألوان التي تنوعت بين القوية والحارة، وبين الدافئة والهادئة، وبالأشكال التي تتجاور فيها الألوان مع الخطوط كما لو أنها معزوفة موسيقية هارمونية تتصاعد بهدوء وانسياب حاملةً المشاهد إلى عوالم يتقاطع فيها الواقع بالخيال، وهذا ما يحقق في النهاية "المعنى الداخلي للحياة والتوازن المطلوب مع المحيط".

/العُمانية/ النشرة الثقافية

جعفر العقيلي