مسقط في 13 يناير /العُمانية/ تشكلت روح المسرح في سلطنة عُمان مع إنشاء المدارس السعيدية عام 1940 وهي الفترة التي بدأ فيها بزوغ العمل المسرحي كنشاط مدرسي، ثم أضيف النشاط المسرحي قبل بداية عصر النهضة الحديثة في عام 1970 بسنوات قليلة كأحد الأنشطة التي تمارس في الأندية الرياضية.
وبعد حوالي 85 عامًا من بداية المسرح في سلطنة عُمان، يؤدي المسرح اليوم أدوارًا مهمة في المجتمع العماني، ويتبوأ مكانة مرموقة، وهو من بين روافد المنظومة الثقافية والفنية، كما تزخر الساحة الثقافية المسرحية العمانية بتوافر الأطر المسرحية المتميزة لتشمل كافة المجالات الفنية، وتنتشر الفرق المسرحية الأهلية في أغلب محافظات سلطنة عُمان، وتزخر المكتبة العمانية بالعديد من المؤلفات لكتاب وأدباء المسرح من العمانيين والعرب، ممن تحدثوا حول الحركة المسرحية "محليًّا" وتجربتها ونشأة المسرح وتطوره، والأساليب المختلفة له، والخطاب المسرحي في النص المسرحي العماني، وعشرات الكتب المثرية في مجالات المسرح وأنواعه واهتماماته، وكذلك ما يتعلق بالدراسات النقدية للمسرح تأليفًا وتمثيلًا وإخراجًا وتقنية.
وتأكيدًا على أهمية المسرح العماني ودوره في المجتمع، دشن مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة عشرة التي تستمر أعمالها في مسقط، لتتضمن 9 قراءات جديدة أصدرتها الهيئة العربية للمسرح، لكتاب عمانيين وعرب من مصر والأردن والعراق، وتتناول مختلف جوانب المسرح العماني من النص إلى التجارب التمثيلية إلى تجارب المسرحيات ومسرح الشارع، وستساعد كثيرًا المشاركين في المهرجان على مطالعة بانوراما خاصة بالمسرح العماني.
وتقول الكاتبة والناقدة في مجال المسرح الدكتورة عزة بنت حمود القصابية لوكالة الأنباء العمانية "إن الكتب الصادرة عن الهيئة العربية للمسرح الخاصة بالمسرح العماني، تشكل عمومًا قيمة فكرية وثقافية، لمضامينها النقدية في مجال المسرح، والتي سوف تكون رافدًا للمكتبة العربية وللباحثين والمشتغلين في مجال المسرح والدراما، مشيرة إلى أن الكتب الصادرة ركزت على دراسة النص المسرحي، وجنح بعضها لدراسة نص العرض، فيما غابت الدراسات التي تحلل سيمياء العرض المسرحي، ونأمل في المؤلفات القادمة تقديم قراءات عن العروض المسرحية وجماليات الرؤية البصرية.. خاصة وأننا في عصر يحتفي بالصورة أكثر من الكلمة".
وأوضحت أن تركيز تلك الكتب على قراءة النصوص المسرحية، يأتي نظرًا لأهمية النص، باعتباره النواة، وهو بمثابة العمود الفقري لانطلاقة الأعمال الفنية، فالفكرة هي بادرة مهمة تأسس على غرارها الأحداث والفعل المسرح والشخصيات والصراع وصولًا إلى الذروة، لكن مع التطور التقني والذكاء الاصطناعي، بدأ الاهتمام بالكلمة والحوار السردي يقل، ليكون هناك بدلًا تصور بصري، يمكن أن يحل عنه، وتحولت العديد من العروض المسرحية، إلى كتابة السيناريو البصري، بدل الحوارات واللغة المنمقة، ونظرًا لأن المسرح هو فن الفعل، وليس الكلمة، لذلك فهو قابل للتغيير والتطوير أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى .
وصدر للدكتورة عزة القصابية من بين الكتب التسعة كتاب " ملامح الحداثة في المسرح العربي"، ويتكون من مدخل يقوم بدارسة مصطلح "الحداثة" بتعريفاته ومفاهيمه وتقاطعاته مع حقول متباينة اقتصادية وفكرية وفنية، ودراسة مدى تأثيرها في الفنون البصريَّة والأجناس الأدبيَّة الأخرى، وصولًا إلى "المسرح"، ويبحث الكتاب في "خصائص الحداثة في المسرح الغربي"، التيَارات الحديثة في هذا المسرح وتبيان تأثيرها في النص الدرامي العربي والعرض المسرحي على مستويات التمثيل والسينوغرافيا والإخراج، كما يناقش "خصائص الحداثة وآلياتها في المسرح العربي"، كما يبحث الكتاب في "خصائص الحداثة وآلياتها في المسرح العربي المعاصر"، فإنه يبحث في وتيرة "الحداثة" في مسارح الدول العربية، ويحاول عقد مقارنة لدراسة درجة تأثير الحداثة الغربية في المسارح العربية، مع الإشارة إلى الأسباب والعوامل التي تَقف وراء تفعيل ومحاكاة المشهد المسرحي العربي عمومًا للحداثة الغربية نصًّا وعرضًا، وتختتم الكاتبة بتقديم قراءة تحليلية لعدد من العروض المسرحية العربية المنتقاة، ودراسة محتواها الاجتماعي والسياسي والثقافي.
ومن بين الكتب التسعة التي صدرت، كتاب الدكتور سعيد بن محمد السيابي بعنوان «الضوء لا يخبو، تأملات في المسرح ومستقبله، رؤى مسرحية»، ويعد الكتاب تأملات مسرحية توزعت على ثلاثة فصول في 114 صفحة، شملت تأملات مسرحية في الفضاء العام، وفي المسرح العماني، وأخرى في المسرح العربي والعالمي، وأبحرت بالقارئ لتقدم قراءات في ظواهر وعروض ونصوص رأى المؤلف أنه من المفيد نشرها مجتمعة، بعد أن نشرها في عدد من المنابر المختلفة على شكل مقالات، وحفل الكتاب بإحالات إلى أعمال مسرحية في سلطنة عُمان وخارجها، حيث يعد الكاتب باحثًا ومؤلفًا مسرحيًّا وكاتب قصة وروائيًّا، صدرت له العديد من الكتب، كما ألف العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية.
وكتاب "المسرح العماني بين الموروث والفرجة" للكاتبة والناقدة علياء البلوشية، هو دعوة لبحث أعمق في التراث العماني ودوره في تشكيل الفنون المسرحية، وضرورة المحافظة على الهويات الثقافية في مواجهة العولمة والتغيرات الاجتماعية.
ويتناول الكتاب الأداء المسرحي الشعبي في سلطنة عُمان حيث الحكواتي والأداء الشعبي القريب الصلة بالمونودراما، وكيفية توظيف التراث الشعبي والهوية العمانية في المسرح، وقدمت الكاتبة شرحًا مفصلًا للأداء التمثيلي الشعبي، ومقارنة بينه وبين أشكال المسرح الأوروبية، ليبرز الخصوصية العمانية.
وأكدت الكاتبة على أهمية استلهام التراث كمصدر إلهام لإنتاج فني مُثقف وواعٍ، يسهم في تطوير فنون الأداء ويساعد على استدامتها للأجيال القادمة، وتطرقت إلى تمثيل الفنون الشعبية العمانية، مثل فن الرزحة، وفن الحكواتي، وغيرهما، ودورها في تعزيز الهوية الثقافية والتقاليد المحلية. كما قدمت في الفصل الثاني الاحتفال بين الشكل المسرحي والفرجة الشعبية، وقراءات مهمة لإبداعات الكتاب المسرحيين العمانيين، وتطرقت البلوشية في الفصل الثالث من الكتاب إلى الحكاية الشعبية في المسرح العماني، واتجاهات الفعل المسرحي بين النص والعرض، فيما تناول الفصل الرابع حداثية التراث من خلال نصين عمانيين هما مسرحية "من قتل شهريار" ومسرحية "الخيمة".
ومن بين الإصدارات أيضًا، كتاب "تمثلات الحداثة وما بعدها في المسرح العُماني" للشاعرة والباحثة الأردنية جمانة الطراونة، حيث شمل القسم الأول من الكتاب تمهيدًا نظريًّا لمفهوم الحداثة ونشأتها، والحداثة العربية وآفاقها وتطلعاتها وتطور المدارس المسرحية من الكلاسيكية إلى ما بعد الحداثة وفلسفة ما بعد الحداثة، فيما تحدث القسم الثاني عن المسرح العُماني والمدارس الفنية وقدمت تطبيقات على عدد من العروض شملت، كأسك يا سقراط، ..مرافعة شعرية لاسترداد سلطة "الفكر والتفكير" ومسرحية "ساعة رمليّة للغضب والظلام والحب" والقلق الوجودي في ثلاثية الغضب والظلام والحب، والحلم ..رحلة البحث عن الحقيقة في العوالم الخفية و"سدرة الشيخ" .. مربع السلطة والوطن والإنسان والهوية".
وللمخرج والناقد المسرحي العراقي الدكتور بشار عليوي، صدر كتاب (مسرح الشارع في سلطنة عُمان)، يقع في 88 صفحة، مستعرضًا فيها شيئًا عن مفهوم مسرح الشارع وبدايات مسرح الشارع في سلطنة عُمان وتجارب عُمانية في هذا المجال، والحديث عن التجربة الهامة لـ (فرقة مسرح الدن للثقافة والفن) في مسرح الشارع، كما تضمنَ الكتاب مسردًا عن أهم أعلام مسرح الشارع في سلطنة عُمان، واستعرض مهرجانات مسرح الشارع العُمانية وعروضهِ، بالإضافة الى أهم النصوص المسرحية العُمانية التي كُتِبَتْ خصيصًا لمسرح الشارع وتمَ تقديمها في العديد من المهرجانات المسرحية. وقال الدكتور بشار عليوي في مقدمة كتابهِ "أن نذهبَ بالمسرحِ إلى الناس حيثما يتواجدوا، تلكَ هي ماهية مسرح الشارع كمُمارسة وحضور وتأثير في جمهور الفضاءات العامة والساحات والشوارع والمجال العمومي ككُل، ومن هنا تأتي أهمية هذا المسرح الذي يمثل جوهر العملية المسرحية برمتها وأسمى أهدافها التي وجِدت من أجلها ونعني بها الإنسان".
وصدر للكاتب المسرحي والشاعر عبد الرزاق الربيعي كتاب "المشهد المسرحي العماني.. إضاءات ورؤى" الذي صدر في 119 صفحة، متضمنًا ثلاثة فصول الأول، ضم وقفة تنظيرية فحمل عنوان "قراءات في المسرح العماني"، وتضمن الكتابة التاريخية في المسرح العماني، رمزية خطاب الفرجة في المسرح العماني شكسبير في أعمال المخرج عبدالغفور البلوشي، توظيف المادة الشعرية في المسرح العماني، فيما اشتمل الفصل الثاني "رؤى في عروض مسرحية عمانية"، على وقفة إجرائية تحليلية في عشرة عروض مسرحية عمانية هي (مدق الحناء)، (الرحى)، قرن الجارية) ( الليلة الباردة)، (شجرة الهيل) (الندبة)، (زهراء السقطرية)، (حارة بلا بخت)، (صراع)، (أصابع جميل)، أما الفصل الثالث "علامات مسرحية في المشهد"، فقد قدمت تعريفات بعدد من غادرنا مبكرًا، تحدث خلاله الكاتب حول 6 شخصيات لطالما أثرت المسرح العماني منذ بداياته، وفنانين مسرحيين متميزين أثبتوا تفوقهم طوال السنوات الماضية على خشبة المسرح.
وفي كتابه "القناع الأبيض في المسرح العماني" يؤكد الدكتور محمود سعيد أن "القناع طريق ذو اتجاهين، فهو طول الوقت يرسل رسالة للداخل ويسقط أخرى للخارج وهو يعمل حسب قوانين الصدى، فالبحث الذي يقوم به المؤلف يتركز حول الحقيقة الرئيسة الجوهرية، التي تبقى بعد زوال كل ما هو عارض زائل في الإنسان، لعله في غمار هذا البحث يسعى في النهاية إلى العثور على الروح، ولكنه لا يعثر عليها على الاطلاق، فهو لا يعرف عنها سوى مجموعة من الأماني والأوهام المزيفة، صانعها هو الزمن المتحجر، بل هو الراحل المقتول أيضًا، وانتظارًا لما لا يأتي أبدًا. وفي 144 صفحة يسعى الكاتب للكشف عن النزعة الهدمية، والمسرود خارج الحكاية، والخطاب الخفي، ومرحلة الذات المقهورة وفقدان البراءة، في عدد من نصوص المسرحيات العمانية.
وصدر للكاتبة والباحثة في شؤون المسرح الدكتورة آمنة الربيع كتاب "قراءة المسرح.. مقاربتان ثقافيتان في النص الدرامي"، مؤكدة أن النص لا يولد من فراغ، ولا يتجه إلى فراغ حيث يؤلفه كاتب يعيش ضمن مجتمع يتفاعل معه على نحو ما تفاعلًا اجتماعيًّا وسياسيًّا ومعرفيًّا، لهذا يقال إن الكاتب كائن مجتمعي، وإنه ابن بيئته، وهذه العتبات أو المتعاليات النصية كما أسماها جيرار جينيت، وظيفتها فك شفرات النص، بحيث يستطيع القارئ التفاعل مع المتن قراءة أو تفسيرًا أو تأويلًا. وتتناول الكاتبة مقاربتين نقديتين، تتناول الأولى المقاربة الثقافية: سماء عيسى وتعددية المرجعيات في نصين مسرحيين، فيما كانت المقاربة الثانية: نسوية.. سعداء الدعاس، هاملتهن، في مسألة الكتابة على الكتابة.
وجاء كتاب "النص المسرحي العماني.. نشأته وتطوره" للدكتورة رحيمة بنت مبارك الجابرية، لإظهار الكتاب العمانيين واحدًا بعد الآخر منذ عام 1970 حتى عام 2019، ورصدًا للاتجاهات والأساليب المختلفة للمسرح العماني، عبر القراءة البنيوية لخمسة نصوص مختارة، وتتبع رؤية الأعمال المختلفة للكتاب العمانيين حسب التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية والفنية في سلطنة عُمان وفي بلدان الخليج، إضافة إلى معرفة أثر المؤسسات والكيانات المسرحية التي تم إنشاؤها في سلطنة عُمان وتسليط الضوء على الدراما العمانية منذ إنشاء مسرح الشباب سنة 1980.
/العُمانية/ النشرة الثقافية
عوض المديلوي