الأخبار

المسرحي العُماني حمود الجابري: الاتكاء على مقولة أن الجمهور يحب المسرح الكوميدي دون غيره قد لا تكون دقيقة في الواقع
المسرحي العُماني حمود الجابري: الاتكاء على مقولة أن الجمهور يحب المسرح الكوميدي دون غيره قد لا تكون دقيقة في الواقع

مسقط في 13 يناير/العُمانية/ يصف الكاتب والمسرحي العُماني حمود بن سليمان الجابري أن النزعة التعبيرية موجودة بوضوح في كثير من الأعمال المسرحية التي تقدم اليوم على خشبة المسرح العُماني، مشيرًا إلى أن المسرح يتيح مساحة واسعة للمجتمع بشكل عام للتعبير والتماهي مع قضاياه ووجوده.

وفي السياق ذاته يشير "الجابري" إلى روح المسرح في حياته والشغف الفني، والتوجه إلى واقع حقيقة المسرح من خلال علاقة تربطه به، وكيف لهذا المسرح أن يعبّر عن القيم الإنسانية ويكون أداة فاعلة في التغيير في النمط الفكري والإنساني الاجتماعي: أساس الشغف هو الرغبة في التعبير عن الذات، هكذا كانت البداية. المدرسة ثم مسرح الشباب، فالجامعة التي كانت تتيح لنا فرصًا مثالية لاكتشاف الذات، واكتشاف المسرح بأشكاله المختلفة. في المدرسة كانت بداية نقطة الانطلاق لتلمّس فن الأداء التمثيلي والتعبير بالصوت والجسد، ثم مسرح الشباب الذي لم يكن مكاناً لإنتاج المسرحيات فحسب، بل كان معملاً ثقافيًّا بكل معنى الكلمة في حينه، وكان المكرم الدكتور عبدالكريم جواد حريصاً على بناء الفنان المسرحي فكريًّا وثقافيًّا، وسعى لاستقطاب أهم الأكاديميين من الجامعة لتأهيل فريقه المسرحي، بالإضافة إلى دوره في تنمية وتشجيع المواهب والقدرات المسرحية. ويقول: "كنت محظوظًا كغيري من الزملاء في أن أعرف المسرح من باب واسع وبشكل جاد، وأن أرى فيه أكثر من مجرد فن أدائي يتطلب مهارات إبداعية على المستوى البدني، بل ارتقى الأمر بشكل مثير إلى استدعاء الأسس الفكرية والفلسفية والتاريخية التي قام ويقوم عليها الفعل المسرحي، وتمظهراتها المختلفة عبر تجارب المسرح العالمي انتهاءً بمختلف الرؤى التجريبية التي تعبّر عن الاتجاه الكوني نحو التجاوز المستمر لكل ما هو ثابت ويقيني ومقبول".

ويضيف: "أما عن كونه أداة فاعلة في التغيير في النمط الفكري الإنساني، فأنا لا أنظر له أنه أداة تغيير من جهة واحدة، بل هو نتاج تفاعل مع الواقع، ولقاءٌ ينضح فيه المجتمع نفسه ويعيد تصوره لها، فما يتقبله المجتمع ويرى فيه نفسه، قد لا يكون سوى انعكاسًا لواقعه وتطلعه، فالتغيير في الواقع قد لا يتولد من الفعل المسرحي، بل من المجتمع نفسه. هنا دور المسرح، كما أعتقد، أن يصنع هذه المعادلة، وهي معادلة ليست بالهيّنة فهي تتطلب من المسرحي أن ينشأ عمله على تفاعل عميق مع العالم من حوله. من المهم القول إن المجتمع لم يعد محليًّا كما كان، ليس في هذا القرن على الأقل.

وفي حقيقة المسرح ودوره كفن فكري عميق في تعزيز الحوار الثقافي بين فئات المجتمع الواحد يقول الجابري: "لا أستطيع الجزم بدور المسرح في تعزيز الحوار الثقافي بين فئات المجتمع، إلا أنه بلا شك يتيح مساحة واسعة للمجتمع بشكل عام للتعبير والتماهي مع قضاياه ووجوده، وهو بهذا يعطي الأفكار والرؤى مجالاً للتداول والاختبار والاصطدام والتدافع كما هو الحال في مختلف الإنتاج الثقافي، إلا أنه في المسرح يكتسب بُعداً فاعلاً من خلال الوجود الحي للإنسان الممثل".

ولأن الجابري إلى جانه كونه مسرحي (كاتب ومخرج وفنان)، فهو أيضًا شاعر وقاص، وله العديد من الجوائز في شأن تلك المفردات الأدبية، وهنا يشير إلى الكيفية التي استطاع من خلالها التوفيق والتواصل مع كل هذه الاتجاهات والأقرب إلى روحه وعطائه الأدبي ويؤكد: "هي ربما رغبة في التعبير عن رؤيتي للعالم من حولي وهذه أدوات متفردة، كل منها يلمس منك جانبًا لا تلمسه الأدوات الأخرى، فالقصيدة لغة مكثفة وعنيفة حتى في أرق مقولاتها، والمسرحية كالبحر الطويل، يمتدُ فيه البوحُ ويتجسد فيه حوارًا وحركة وضوء وحضورًا جماهيريًّا متفاعلًا، أما القصة والرواية فمسارات رائعة لسعة الخيال والرسم الحر للأفكار بالكلمات. لا تستطيع بعد أن تقرأ فنًّا من هذه الفنون إلا أن تأسرك ببراعتها وقدرتها على التعبير عن قضايا الإنسان، ولعل المسرح كما يسمى أبا الفنون يجمع مواده من مفردات متعددة من الأجناس الأدبية".

وللعودة إلى واقع المسرح، والمدارس الأقرب إلى ذات وروح الجمهور اليوم، خاصة إذا ما تحدثنا عن المدرسة الواقعية وتأثيراتها على المسرح المعاصر هنا يقرّبنا الجابري قائلا: "أنا أعتقد أن الجمهور يحب المسرحية الجيدة بشكل عام، وهذه تشمل مختلف أنواع المسرحيات التي يمكن أن تقدم، إلا أن الجمهور سيتفاعل بشكلٍ أفضل عندما تتوفر للمسرحية عناصر التفاعل التي تتمثل في النص الجيد، والأداء المتقن، وعناصر الإضاءة والبناء السينوغرافي، وتوازن الإيقاع. إن الاتكاء على مقولة أن الجمهور يحب المسرح الكوميدي دون غيره قد لا تكون دقيقة في الواقع، وجمهور المسرح ليس جمهوراً واحداً حتى نستطيع أن نحصر ذوقه وتوجهه بسهولة. وليست هنالك دراسات علمية جيدة لدينا في توجه الجمهور المسرحي في سلطنة عُمان، إلا أنه من خلال الملاحظات العامة، الجمهور يتابع مختلف الأنواع المسرحية حتى التجريبية منها.

وفيما يتعلق بسياق فلسفة المدرسة التعبيرية وانعكاس ذلك على حقيقة الأعمال المسرحية في سلطنة عُمان، ومساهمة الكاتب العُماني والممثل أيضًا في شيوع رقعة هذه المدرسة يؤكد الجابري: "النزعة التعبيرية موجودة بوضوح في كثير من الأعمال المسرحية التي تقدم اليوم على خشبة المسرح العُماني وإن لم تكن عن قصد واضح كما يبدو لي، فالكثير مما يقدم اليوم في المهرجانات المسرحية يتكئ على استنساخ اتجاهات مسرحية أصبحت تشكل تقليداً مستمراً لدى الجيل الجديد، والسبب في ذلك أن منتجي هذه الأعمال تناسوا السؤال الأساسي الذي بنيت عليه هذه الأعمال، وهو التجريب والتجاوز والبحث عن أرض جديدة تضع المسرحية عليها ثقلها. لكنك عندما تقرأ أو تشاهد عملاً للكاتب المسرحي بدر الحمداني أو الدكتورة آمنة الربيع، ستشاهد عملاً أصيلاً، والحال نفسه عندما تتناول نصاً لهلال البادي، أنت لن تحتاج إلى وضع النص في إطار مذهب مسرحي، بل تتماهى مع مقولته وأصالة طرحه، وهذا هو الأهم".

كما يتنقل المسرحي "الجابري" للحديث عن تقنية الكتابة والأدوات المسرحية التي يمكن العمل عليها لتسليط الضوء على الواقع المعاش وكيف للمسرح أن يكون أداة تفكيك للعديد من الظواهر الاجتماعية بحيث ينقلها إلى المتابع بوعاء معرفي مغاير وهنا يوضح قوله: "سأختصر ذلك في القول إن تقنية الكتابة ويليها الأدوات المسرحية المناسبة تعتمد على خبرة الكاتب في توقع الجمهور الذي يستهدفه هو والذي يريد أن يوصل إليه رسالته. تفكيك الظاهرة الاجتماعية وهضمها ضمن الأداء المسرحي نصاً وفعلاً يتطلب جهداً في فهم الظاهرة بشكل عميق واستنطاق مكنوناتها ومآلاتها الممكنة ومن ثم تطويع الأداة المسرحية لإبرازها ضمن إطار المتلقي. ولكنني لا أقول إن على الكاتب أن يكون مطواعاً لما يريده الجمهور، فمن الضروري أن يكسر التوقعات السهلة وأن يتجرأ على المخاطرة بطرح إبداعي متجاوز.

وفي حقيقة ظهور العديد من المسميات للمسرح بما فيها على سبيل المثال لا الحصر (الصحراوي، والغرفة، والدائري، والشارع)، وما إذا كنّا في سياق اكتشافات مسرحية أخرى قد تكون مختلفة عمّا اعتدنا عليه وهنا يوضح الجابري: هذه التجارب تغني الفعل المسرحي وتفتح آفاقاً جديدة للإبداع، إلا أنه وفي كل الأحوال أرى أن يرتبط العمل المسرحي بخاصية تجعله متوائماً مع المكان، أو بمعنى آخر أن يستغل المسرحي خصوصية المكان ليصنع منها حدثاً أكثر غنىً وتفاعلاً مما لو تم أداء العمل المسرحي على خشبة تقليدية. ما لم يحدث هذا، فالسؤال هو لِمَ تعرض عملك في الصحراء وعلى الرمال إن لم يكن ذلك يعزز مقولة الفعل المسرحي؟

وفي شأن التفاعل مع مسرح الفن الرقمي خاصة وأن له تأثير بصري غير اعتيادي على المشاهد، والممثل أيضًا، هنا يشير الجابري إلى الأدوات الممكّنة لصنع نهجًا حركيًّا وروحيًّا ليبقى في ذاكرة المتلقي، مرورًا بخدمته للتراث والهوية الوطنية وأن يكون معززًا للتفكير النقدي والإبداعي لدى مريديه ويؤكد: "التقنيات الرقمية وغيرها من التقنيات التي تستخدم في الأعمال المسرحية هي في كل الأحوال مكونات تكميلية حتى وإن إضافت إبهاراً إلا أنني أؤمن بأن كل ذلك سوف ينسى ما لم يكن لديك ما تقوله حقاً. لن تسعفك التقنية ما لم يسعفك الفكر. كما أنني أؤمن بأن الهوية هي ما نكوّنه الآن، وما نؤمن به، وهي ما يبرز تلقائياً من خلال أعمالنا المسرحية، والأساس في العمل الإبداعي ليس في البحث في المكنون التراثي ومحاولة إحيائه مسرحياً، بل من خلال استمرار وجوده كما هو الآن كجزء من مكونات هويتنا، لا ينفصل عنّا ولا يتصل بنا بإرادتنا، فهو قدرنا ووجودنا.

/العُمانية/ النشرة الثقافية

خميس الصلتي

أخبار ذات صلة ..