الجزائر في 29 يوليو/ العمانية/ تُصوّر رواية "فضّة" الصّادرة باللُّغة الفرنسية عن دار إيكوزيوم أفولاي للنشر بالجزائر، بقلم الروائيّ الداوي بوعلاق، مجريات قصّة حب تنبثق من قلب الجفاف.في تفاصيل هذا العمل السّرديّ، ينغمس البطلان "فضّة" و"أزراف" في قصّة حب آسرة، وهما روحان ساحرتان، تنسج قصّتهما في قلب مدينة "الونزة". وينقلنا الكاتب الداوي بوعلاق في شوارع هذه المدينة التي كانت تغمرها السعادة بفضل سد عين ديلة. ولكن عندما يحلُّ الجفاف، يُشكّل نقص المياه مصير سكانها، وتعود المحنة، تاركة النفوس متعطشة للرغبة والأمل.كما تسلّط هذه الرواية المؤثرة الضوء على حياة سكان "الونزة"، الذين يجب عليهم مواجهة الشدائد بالمرونة والأمل، إذ ينسج بوعلاق شبكة معقّدة يتشابك فيها الحبُّ والمرونة، ممّا يقدّم انعكاسًا عميقًا لقدرة الإنسان على التغلُّب على الصعوبات، وذلك من خلال السّرد الغنيّ والأوصاف الحيّة، وهي التقنياتُ التي تُمكّن المؤلف من خلق انغماس كامل في عالم أبطاله.تقع شخصيتا "فضّة" و"أزراف" في قلب هذه اللّوحة الجدارية البشرية. وعلى الرغم من الصُّعوبات التي تميّزت بها، تمثّل قصّتهما، قصيدة لقوة الروح الإنسانية والمثابرة ، "فضّة"، بإصرارها وشجاعتها، تمثّل الأمل والمقاومة في وجه الصّعاب. أما "أزراف" فهو يجسّد العاطفة والرغبة، وهو مستعدٌّ لفعل أيّ شيء من أجل الحفاظ على حبّه رغم العوائق التي تفرضها الطبيعة والمجتمع.ولا يكتفي بوعلاق بسرد قصّة حبّ بسيطة، فهو يحاول أن يستكشف موضوعات البقاء والتضامن والأمل في بيئة معادية، يصبح فيها الماء، أو بالأحرى غيابه، شخصية بحدّ ذاتها في الرواية، تؤثر على تصرُّفات وقرارات سكان "الونزة"، وسدّ عين ديلة، يصبح رمزًا للرخاء وسعادة الماضي، ويتحوّل إلى ذكرى مؤلمة ووعد بأيام أفضل.كما يتناول المؤلف تأثير التغيُّرات البيئيّة على الحياة الاجتماعية في زاوية من الجزائر خلال عهد الاستعمار الفرنسي. ويصفُ بوعلاق كيف تمكّن السُّكان، رغم الظروف الصّعبة التي فرضها الجفاف والاستعمار، من مقاومة هذه المحن. من جهة أخرى، تسلّط قصّته الضوء على قوة وتضامن المجتمعات المحليّة في مواجهة التحدّيات التي تفرضها الطبيعة والسياق الاستعماري.أسلوب داوي بوعلاق مشبعٌ بحساسيّة كبيرة وإنسانية عميقة، وقدرة على وصف المشاعر بدقة وكثافة رائعة، وكلُّ صفحة من صفحات "فضّة" هي دعوة للشُّعور والتفكير والمشاركة. كما يترك قلم بوعلاق، الرقيق والقويّ، بصمة لا تُمحى من ذهن القارئ.وقد حقّقت رواية "فضّة"، باعتبارها رواية أولى للروائيّ داوي بوعلاق، نجاحا لا يمكن إنكاره، إذ نجح بوعلاق في إنشاء عمل يتردّد صداه مع الاهتمامات الحالية ويقدّم في الوقت نفسه قصّة حب وصمود خالدة.يُشار إلى أنّ الروائيّ، داوي بوعلاق، ينحدر من مدينة مداوروش (شرق الجزائر)، وهي مدينة الفيلسوف والخطيب والروائي أبولي دي مادور (125م/ 170م)، والقديس أوغسطين (354م/430م). وقد أثبت الداوي بوعلاق نفسه كقلم لامع في المشهد الأدبي الجزائري المعاصر، إذ تجسّد كتاباته، الشعرية والواقعية، جوهر الحياة اليوميّة لشخصياته، وتكشف في الوقت نفسه عن أعماق عواطف تلك الشخصيات ونضالاتها.العمانية /النشرة الثقافية /طلال المعمري