بيروت في 15 يوليو /العُمانية/ يناقش الناقد والأكاديمي شكري عزيز الماضي في كتابه "الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية"، العلاقات المتنوعة بين الأدب من جهة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية من جهة ثانية، متتبعًا صور التفاعلات بين الأدب وهذه العلوم، والنتائج المترتبة على ذلك، سعيًا إلى تأسيس منهج نقدي أدبي فاعل ومتفاعل في الوقت نفسه.
يتضمن الكتاب الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2024)، فصولًا تناولت: العلاقة بين الأدب وكلّ من اللغة والأيديولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والسياسة والفلسفة. وانصبّ اهتمام المؤلف على بحث صور التفاعل بين الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، وطبيعة هذه التفاعلات ونتائجها، وأثر هذا كله في كيفية قراءة النصوص الأدبية وكيفية فهمها وتناولها وتحليلها وتقويمها.
يسعى الكتاب إلى المساهمة في تنمية الوعي النقدي وتقدمه، والحرص على فتح الآفاق أمام "النقد الأدبي" الذي يعد نسقًا تكوينيًّا من أنساق الثقافة العربية المعاصرة، فتفاعلات الأدب مع العلوم الإنسانية والاجتماعية كثيرًا ما حوّلت عددًا كبيرًا من الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية إلى بحوث لغوية أو نفسية أو اجتماعية أو فلسفية أو سياسية.
ويوضح د.شكري الماضي أن صور التفاعلات المتنوعة بين الأدب وهذه العلوم يمكنها ترسيم حدود الأدب وتأكيد الاستقلالية النسبية له؛ فالأدب يتفاعل مع هذه العلوم ويتأثر بها ويؤثر فيها لكنّه يبقى حريصًا على تجسيد هويته الفنية الجمالية، ذلك أنَّ الأدب "كيانٌ متطورٌ ومتغيّرٌ ومتجددٌ بصورة دائمة ودؤوبة، وليس ثابتًا أو مغلقًا، وهو عصيٌّ على الاختزال في نمطٍ ما ولا يخضع لقوانين ثابتة أو مغلقة".
وفي سياق متصل، يبيّن الباحثُ أنَّ الأدب ينفر من محاولات تبعيته لأيّ علم من العلوم الإنسانية والاجتماعية، فهو يتفاعل مع التاريخ لكنه ليس تاريخًا، ويتفاعل مع السياسة لكنه ليس سياسة، وينمو في الأيديولوجيا لكنه لا يتحول إلى أيديولوجيا.. حتى في علاقته الوجودية مع اللغة، يسعى الأدب إلى تأكيد وجوده المستقل وكيانه اللغوي الخاص.
ويؤكد الماضي أن مسوّغَ وجود الأدب أو وظيفته لا ينحصر في تجسيد الفن والجمال والمتعة الأدبية، وإنما هو في جوهره يعمل على بناء بُعدٍ مهمٍّ من أبعاد الوعي الإنساني؛ أي وعي الأديب لذاته وللآخرين المعاصرين له بمن فيهم جمهور المتلقين والقراء، وللعلاقات المتشابكة بين هذه الأطراف، ولسمة المرحلة أو العصر وفهم العالم، والكشف عن جوانب المجتمع الإنساني وحاجاته وتحدياته لتغييره نحو الأفضل.
ويعزز هذا الكتاب، كما يوضح المؤلف، أهمية العلوم ودورها في دعم وترسيخ وبلورة وإيجاد اتجاهات أدبية معيّنة، تستند إلى مفاهيم وتصورات متنوعة للأدب بوصفه مصدرًا وماهيةً ومهمة، وتثير الأسئلةَ والتساؤلات حول المعرفة والوجود والعالم، لذا؛ يؤكد د.شكري الماضي أهمية هذه العلوم في تأسيس وإبداع منهجيات نقدية ذات صبغة علمية تعزز التفكير النقدي وتسهم في تنمية الوعي.
/العُمانية/النشرة الثقافية/عمر الخروصي