"أسرار اللقلق".. فصولٌ من سيرة الكاتبة عائشة بوعباسي
الجزائر في 8 يوليو /العُمانية/ قدّمت المؤلّفة الجزائرية، عائشة بوعباسي، كتابها "أسرار اللقلق"، بمكتبة العالم الثالث بالجزائر، وينتمي هذا المؤلّف، الصّادر باللُّغة الفرنسية، إلى أدب السيرة الذاتية الذي تغوص عبره المؤلّفة، بعرض مؤثّر ومشوّق، في حياتها الشخصية التي عاشت ردحًا منها خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، وبالتحديد مرحلة الثورة التحريرية (1954/ 1962)، وتتبّعت عبر صفحات الكتاب طفولتها، وظروف أسرتها، ودراساتها في المرحلة الابتدائية خلال هذه الفترة المضطربة من تاريخ الجزائر الثّائرة.
ويكتشف القارئُ في هذا الكتاب أيضًا، فصولًا من المعاناة اليوميّة، وأصناف الاضطهاد والقهر التي كان الجزائريون ضحاياها، على مدى سبع سنوات ونصف، أمام همجية الآلة الاستعمارية التي لم تكن ترحم أحدًا.
ومن خلال ما تسرده الكاتبة من تفاصيل تلك الحقائق اليومية لذلك العصر الذي تميّز بالظلم والحرمان، يقف القارئ كذلك على لحظات من الأمل والمقاومة، إذ تُصوّر صاحبة هذه السيرة الذاتية بحساسية كبيرة رحلتها التعليمية في سياق استعماري، كما تصفُ العائلة، والأصدقاء، والجيران الذين يمنح حضورُهم لحظات من الفرح، والاحتفالات، والانتصارات المحقّقة. وكلُّ صفحة تُردّد صدى وصمود وعزيمة عائشة بوعباسي.
ولا تُشكّلُ "أسرار اللقلق" مجرد قصّة سيرة ذاتية، بل هي أكثر بكثير من ذلك لأنّها تُقدّم شهادة مؤثّرة عن الآثار المدمّرة التي تركها الاستعمار في تضاعيف حياة الفرد والمجتمع.
ومن خلال مشاركة تجاربها الشخصية، تدعو عائشة بوعباسي القارئ إلى تأمُّل أوسع في التاريخ والذاكرة، وإلى ضرورة فهم الماضي من أجل بناء مستقبل أفضل، كما توجّه دعوة تشجيع إلى كلّ من يستطيع الكتابة، على فعل الشيء نفسه؛ حتى تكون هناك عدة وجهات نظر لتاريخ الجزائر.
وتؤكّد عائشة بوعباسي، صاحبة هذا الإصدار، أنّها كتبت عن ذكريات حياتها في مدينة سعيدة (غرب الجزائر)، وهي المدينة التي أطلقت بها صرختها الأولى في 11 مايو 1945، حتى استقلال الجزائر عام 1962. وتعتزم المؤلّفة تخصيص الجزء الثاني من هذه السيرة الذاتية، التي تنوي نشرها لاحقا، للحديث حول والدها الذي ربّاها؛ لأنّها فقدت والدها البيولوجي في سنّ مبكرة، وبالأخصّ حادثة تعرُّضه رفقة قريبين له، للنفي من طرف الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا الجديدة.
كما تروي عائشة بوعباسي في هذه السيرة كيف فقدت والدها بعد ستة أشهر من ولادتها، وكيف شارك كضابط صف "وطني" في الجيش الفرنسي في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني؛ ثم منحه عدّة مرات (الصليب الحربي، ووسام عسكري).
أمّا والدها الذي ربّاها، فقد تمّ ترحيله إلى كاليدونيا الجديدة وهو في السابعة عشرة من عمره فقط. وتشير المؤلّفة إلى أنّها عندما وُلدت تقاسمت ثلاث دول التاريخ الجزائر (وطنها الأم)، وفرنسا، وألمانيا، ولهذا فهي تعدُّ نفسَها محظوظة لأنّها وُلدت في مجتمع تعدُّدي تتعايش فيه عدّة لغات بشكل وثيق، العربية والفرنسية والإسبانية، وحتى اللُّغة الجرمانية بسبب قربها من ثكنات الفيلق الأجنبي.
وكانت هذه البيئة الثقافية المتعدّدة هي التي شجّعت، في وقت مبكر جدًّا، عائشة بوعباسي، على اقتناعها بالانفتاح الأساسي على الآخرين، وهي عناصر السيرة الذاتية التي كشفت عنها الكاتبة نفسها، فضلا عن حساسيتها كشاعرة، التي تشكّلت بسبب السّعي نحو فهم الآخر، ونحو التفاهم والسلام.
كما تكشف هذه السيرة الذاتية أيضًا أنّ المؤلّفة استفادت من التعليم الابتدائي الجيّد في وقت مبكر جدًا، في مدرسة مفتوحة للفرنسيين والجزائريين.
يُشار إلى أنّ الكاتبة عائشة بوعباسي، مؤلّفة "أسرار اللقلق"، سبق لها أن أصدرت أيضا كتابين آخرين، أوّلهما بعنوان " "قصّة حياتي لفاطمة آيت منصور عمروش أو قصّة فريدة لامرأة دون وثائق"، والثاني بعنوان "حقل أرز العمر".
/العمانية / النشرة الثقافية / طلال المعمري