عمّان، في 25 مارس /العُمانية/ تؤشر قصائد الشاعر عبدالرزاق الربيعي في ديوانه "ضحك على الأطلال" الصادر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن، على تجربة إنسانية ووجودية عميقة، تتبلور من خلال لغة عذبة تجنح بدلالاتها إلى تخوم التأويل، وتنفتح على آفاقه الرحبة، فتحمل الكلمات معانيَ جديدة من خلال تطعيمها بالرموز والإشارات والإيحاءات المبتكرة.
مثال ذلك القصيدة المعنونة بـ"لعبة"، والتي تجعل من لعبة طفولية بسيطة ومعروفة لدى الجميع هي "مَلك وكتابة"، رمزاً عميقاً لوجود الإنسان وحياته.
ومن خلال مشاهد بسيطة يتناول الربيعي قضايا إنسانية كبرى حاضرة عبر الأزمان كالموت والحياة والحرب والظلم.. ويطل عبر قصائده النابضة بالحياة وجعٌ كبير وحزن يبدو أن لا شفاء منه في كثير من الأحيان، إذ هو نابع في الأصل من قلب الشاعر.
وما يميز جل قصائد الديوان هو حضور البعد الأسطوري فيها، حيث يتنقل الربيعي عبر الأزمان قديمها وحديثها، ويستوحي أفكاراً من قصص تراثية وتاريخية وشعبية، يتفاعل معها ويحولها، عبر قراءة جديدة لسياقها الذي وُجدت به، إلى رموز تعبّر عن واقع الإنسان اليوم وسياقات حياته المعاصرة، المثقلة بالقيود وبمشاعر الهزيمة، وبالخذلان والاغتراب.
ففي قصيدة "المغيّب"، يستوحي الربيعي الحكايةَ الشعبيّة العُمانية، التي تروي أن رجلاً كان يعيش بين الجبال، لا يُرى إلا ليلاً، إذ يعود للبيت ممتطياً حماره، ثم يختفي، ولا يظهر إلّا في الليلة التالية.
وفي قصيدة "تحت ظلالِ (دمِ الأخوين)"، يستحضر الشاعر حكاية نوع من الأشجار النادرة في العالم، تنبتُ في جزيرة (سقطرى) اليمنيّة. وتقول الحكاية الشعبيّة المتداولة إنّ الشجرة نبتت نتيجة سقوط قطرات الدم الأولى على الأرض، لذا عندما يتعرض لحاؤها للخدش يخرج منها سائل يشبه الدم.
وفي قصيدة "عودةٌ ثانيةٌ لـ(وضّاح اليمن)"، المهداة إلى روح الشاعر عبد العزيز المقالح، يتعالق الربيعي من ديوان المقالح الذي حمل عنوان "عودة وضّاح اليمن".
تتميز قصائد الربيعي في هذا الديوان بالإيقاعات السريعة، والصور الشعرية المبتكرة، والمحمول الثقافي والمعرفي، والقدرة على تأثيث النص بأبعاد رمزية تعبّر عن واقع إنسان العصر بما فيه من أفكار وهواجس، وتجسّد ما يتطلع إليه من تحرر وانعتاق، إنها قصائد ذات رؤى فلسفية، تنطوي على أسئلة ملغمة، وتتأمل في مجريات الحياة والكون، وتنظر إلى ما وراء الأشياء، وتحفر عميقاً في دواخل النفس البشرية.
وإذا كان ثمة "بكاء على الأطلال" في قصائد توارثناها منذ عصر الجاهلية، فإن الربيعي هنا يقلب هذا المصطلح المتوارث ليكون هناك "ضحك" على الأطلال، كاشفاً عن جرعة عالية من السخرية السوداء.
/النشرة الثقافية /طلال المعمري