الأخبار

"فيما مضى" لسعود العبدالله.. ومضات لونية من ذاكرة الطفولة

عمّان في 18 ديسمبر /العُمانية/ يضم معرض "فيما مضى" المقام في جاليري "ذا بوكس"، مجموعة من أعمال الفنان السوري سعود العبدالله التي تتناول مفاهيم الإرادة والمقاومة والصمود.

وعلى الرغم من تنوع الأعمال التي قدمها العبدالله المولود في الحسكة عام 1976، إلا أنها جميعًا بدت مشدودة إلى التشكيل المرتبط بالذاكرة الشعبية وحكاياتها، إذ يعمل الفنان على اختزال عناصر اللوحة عبر استخدام تخطيطات بسيطة وألوان واضحة ومحددة، كما لو أنه يقدم مخططًا أوليًّا ينتظر الاكتمال، تاركًا بذلك للمتلقي مساحة لقراءة العمل وتأويله وربما أيضًا إكمال عناصره وفقًا لتجربته الخاصة.

ويمكن قراءة بعض الأعمال من خلال الذاكرة التي تستند إليها، كما في عمل العبدالله الذي يصور فيه رجلًا منحني الظهر يحمل على ظهرة صرّة كبيرة، وهو ما يحيل إلى أعمال فنية مشابهة أُنتجت في سياق توثيق النكبة الفلسطينية أو ما تلاها من حركات نزوح ولجوء، لكن العبدالله يقدمها بأسلوبه التخطيطي البسيط الذي يتسم بالرمزية. ويتكرر الأمر في لوحته التي تصور امرأة تحتضن طفلًا، وتتولى الخطوط والألوان بسرد مشهد كامل من المآسي المتكررة التي تسببها الحروب.

التبسيط في الخطوط والألوان يعكس أسلوبًا انتهجه الفنان العبدالله الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة من جامعة دمشق عام 2005، من أجل محاكاة الطبيعة في جمالها القائم على التكثيف، وهو من جهة أخرى محرّض لخيال المتلقي ودافع للإمتاع وتحقيق الراحة البصرية، لا سيما أنّ اللوحات اعتمدت في أغلبها على الألوان الترابية، وهذه الألوان قام الفنان بصنعها عبر جمع الرمال من الكثبان الطبيعية، ثم عالجها بالغراء واستخدمها كألوان طبيعية تعطي الأثر المطلوب وتعّبر عن جوهر الفكرة التي يطرحها.

هذا الرجوع نحو الطبيعة، في خطوطها الموسيقية وألوانها وموضوعاتها، منح أعمال العبدالله بعدًا روحانيًّا يذكّر بالتشكيلات الفنية للدراويش الصوفيين وبالرسوم البسيطة التي كانت ترافق الحكايات قديمًا، وفي الوقت نفسه يؤكد على موضوعات العصر التي تتعلق بجوهر الإنسان ورحلته الوجودية ومعاناته المستمرة.

إلى جانب ذلك، يقدم الفنان لوحات تحتفي بالمرأة وتبرز عوالمها وحالاتها المتعددة، فهناك المرأة التي تحتضن طفلًا، وهناك المرأة التي تقرأ في كتاب، أو تعمل في الحقل.. وتبدو جميعها كما لو أنها قادمة من الزمن الماضي، حيث اهتمام المرأة كان يدور حول تثقيف نفسها ومشاركتها الملموسة في الإنتاج والعمل.

وهنا يبدو أنّ الفنان العبدالله يسائل المراحل التاريخية التي غيّرت النظرة الاجتماعية للمرأة وأخرجتها عن الأدوار الحقيقية المسندة إليها، ونمّطتها في قالب "السلعة"، لذا فإنّ جمال المرأة عنده يتجلى عبر حالاتها المرتبطة بالأمومة والحنان والعطف، وهو ما يمكن قراءته عبر تلك التشكيلات التي تبرز رقة المرأة وعذوبتها.

تبدو أعمال العبدالله كأنما هي ومضات يسترجعها من ذاكرة الطفولة، ويضيف إليها تأملاته فيما بعد، وبهذا يمتزج الواقع لديه بالحلم أو الخيال والحنين للماضي، إذ يحضر الريف بكل تفاصيله وتفاصيل عيش الإنسان فيه وتفاعله معه.

وبهذا، فإنّ كل لوحة من اللوحات تستند بشكلٍ ما إلى فضاء الريف، سواء في ملامح الشخصيات التي يقدمها، أو في ما ترتديه من ملابس، أو في الحالات التي تَظهر بها، وهو بذلك يخْلص لنشأته ولتلك الذاكرة التي تشكّلت عبر تلك النشأة، ويقدمها في لوحات تتخطى حدود الكلاسيكية المعروفة، لتكرس بصمته القائمة على تثبيت الأثر، وتعزيز الإيحاء به، ونقله من واقعيته التسجيلية إلى واقعية خيالية، فمهمة الفن ليست نقل الواقع بتفاصيله، وإنما هي نقل التجربة المتحصلة من تفاعل كل تلك المكونات الحياتية معًا في الذاكرة وعبر الزمن.

/العُمانية/النشرة الثقافية/عُمر الخروصي