عمّان، في 27 مارس/العُمانية/ تشتغل التشكيلية الأردنية سمر حدادين على تطوير تجربتها وتقديمها ضمن قالب يتماشى مع المستجدات في مجال الفن وتقنياته وأساليبه ويحافظ في الوقت نفسه على بصمتها وخصوصيتها.
وتقترب أعمال حدادين التي بدأت ممارسة الرسم قبل ثلاثة عقود من المدرسة التعبيرية، حيث تعتمد على رسم المشهد وفقًا لما يثيره في وجدانها ومشاعرها، مع الحفاظ على البعد الواقعي المستمد من البيئة المحيطة بها، والواضح بأبعاده وأفكاره، فهي تعمد إلى تصوير الأشكال بخطوط عفوية وتشكيلات تقترب من روح الطفولة، وتكثيف الألوان ومحاكاة الطبيعة عبر تبديل عناصرها وتغيير أشكالها بهدف نقل التأثير الانفعالي الذي اختبرته خلال الرسم إلى المتلقي.
والمتابع لأعمال حدادين يمكنه الكشف عن حسّ فنيّ مرهف يظهر في التكوينات الشكلية التي تختارها الفنانة، وفي الموضوعات التي تعالجها وغالبيتها تستمده من الطبيعة ومن الهندسة المعمارية. لذا تعمد إلى الألوان الشرقية الحارة، وبخاصة في لوحاتها التي صورت بها البيئة المصرية ومزجت بين الطبيعة والتاريخ والتراث، حيث صورت النخيل الممتد في حقول الصعيد، والنساء في مجاميع بشرية تحتفي بالطبيعة والحياة، وفي خلفية اللوحات تظهر البيوت المتواضعة التي تعبّر عن تكيّف الإنسان وتصالحه مع الطبيعة.
وغالبًا ما تقارب لوحات حدادين الحاصلة على درجة البكالوريوس في الآثار بين الطبيعة والمرأة سواء في بعدها الإنساني أو الأسطوري، حيث صورت النساء في إحدى لوحاتها وكأنهن حوريات بحر تحيط بهن المياه والأشجار والعصافير والأسماك، في وحدة كونية يجمعها معنى الخصب والعطاء. كما صورت النساء في عدد آخر من اللوحات وكأنهن طيور بيضاء تحلّق فوق البحر في رمز إلى الهجرة غير الشرعية التي تبتلع الأرواح في ظلمات البحر، وضحاياها الأكثر هم من الأطفال والنساء.
وبالنظر إلى لوحاتها التي قاربت فيها الإيقاعات الهندسية للمدن، أبرزت حدادين الحاصلة على جائزة بينالي سعاد الصباح للفنانين العرب عام 2017 الخطوطَ المعمارية البسيطة والمعبّرة عن التكوينات الهندسية وبطريقة فطرية بسيطة، وبخاصة عند رسم للقباب والأقواس والنوافذ والأبواب.. وغالبًا ما تجيء هذه اللوحات بألوان محددة كالأحمر والأبيض، أو البني والأسود. كما رسمت الفنانة التي تخرجت في معهد الموسيقى والفنون الجميلة عام 1990 عددًا من المواقع الأثرية والتاريخية المعروفة.
وتؤكد حدادين عبر تجربتها الثرية أن الفن امتدادٌ لروح الفنان، وانعكاس لمشاعره الذاتية، وتجسيد لردود أفعاله، سواء تجاه قضايا تتعلق بالعالم الخارجي وما به من مشاكل واضطرابات أو عبر تناول عالم الذات/ الداخلي وما ينطوي عليه من هواجس وأحلام.
وإلى جانب أعمالها المنفذة بالأكريليك على القماش، اشتغلت حدادين التي اقتُنيت أعمالها في عدد من المتاحف والمؤسسات، على الأعمال الإنشائية، كما في عملها الذي يضم عددًا من الأشكال الأسطوانية المثبتة فوق قطعة خشبية وقد رسمت الفنانة عليها وخطّت فوقها ما أسمته "رسائل البحر" التي يكتبها كلّ من تتقطع به سبل النجاة تعبيرًا عن الظروف التي قادته إلى هذا المصير وربما احتجاجًا إنسانيًا عليها.
وما تزال حدادين التي أقامت أربعة معارض شخصية وشاركت في عدد كبير من المعارض الجماعية، تُواصل تطوير تجربتها مستعينةً بالتجريب والاشتباك مع مدارس الحداثة الفنية، ومتابعة التقنيات والأشكال الفنية المستجدة.
/العُمانية/النشرة الثقافية /طلال المعمري