عمّان في 28 نوفمبر /العُمانية/ تتضمن مجموعة "في ظل آب" للشاعر الأردني سلطان الزغول قصائد مختلفة من قصائده في مجموعاته الثلاث السابقة على مستوَيي الصياغة والأفكار.
ففي المجموعة الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية، تنويعات بين قصيدتي التفعيلة والنثر، وهو أسلوب سبق للشاعر اتباعه في مجموعته "حضن الأفول"، إلا أن اللافت في "في ظل آب" هو ما تضمنته من قصائد تتماهى مع أسطورة بعل وعناة الكنعانية، إلى جانب قصائد "رعوية" ترحل إلى الغابة والجبال لتعيد تشكيل مفرداتها وصورها، ناهيك عن البناء الدرامي الذي ينهجه الزغول في نصّه الشعري.
تبدأ المجموعة بنصّ بعنوان "غيث"، يذيّله الشاعر بتاريخين متباعدين "شتاء 1995/ شتاء 2021"، وحين نقرأ النصّ نجد أنّه يتضمّن "هطولًا أوّل" يوقّعه في اللاذقية/ سوريا في ديسمبر 1995، و "هطولًا ثانيًا" يوقّعه في إربد/ الأردن نهاية نوفمبر 2021، ولعلّ في ذلك إيماءة إلى علاقة خاصة مع المكانين. لكنّ اللافت في النصّ هو علاقة الأرض مع ماء المطر، وهي علاقة عشق خالدة تجلّت في الشرق العربي، خاصة ذلك البعيد عن مجاري الأنهار مثل جنوب بلاد الشام.
هذه العلاقة الخاصة تتوضح حين نقرأ النصّ المطوّل الثاني في المجموعة، وهو بعنوان "ماء كنعان"، وفيه يعيد الشاعر تشكيل أسطورة الغيث الكنعانية، وتأصيلها انطلاقًا من الأرض التي نبتت فيها جنوب بلاد الشام، في الأردن وفلسطين. ونقرأ في مطلعها:
"أي عناة التي تتمايل في تشرين
يندلق شعرها فوق رؤوس الغابات
يتمدّد في السهول
أوقدي نارك في انتظار كانون
ليخرج (بعل) من غياهب (موت)
وينفخ ريح الأمل في الأرض العطشى".
وإضافة إلى البناء الدرامي الذي يغلّف هذه القصيدة الغنيّة بمرجعياتها الأسطورية، تنغمس القصيدة في الأرض التي نبتت فيها هذه المرجعيات، بفولها وقمحها وزيتونها ولوزها وتينها وعنبها، بأشجارها وينابيعها:
"ها هو (بعل) يَشْرقُ بشعركِ
أيتها الأم (عناة)
دعي شفتيه تطوّقان سواد الغابات الكثيف
لينفجر الأخضر يزهو بالثمر
أي (عناة) الدالية
أي (عناة) اللوزات
أي (عناة) التفاح دون عقدة الخروج
ها هي جنتك على درب الينبوع
تنفجر بالثمر طريًّا طازجًا
التينات تغتسل بالندى في محيطها
والسرو الكثيف يُزنّرها
وأنا أندهش من كثافة الحضور
وبراءة النرجس
وانسياب الطّير فوق رأسي
وانزلاق الدنان بين أصابع (بعل) العظيم
لتروي التراب
هذا التراب مملكتكِ
هذا التراب سكني
هذا التراب صوت المحبة يتثنّى في حلقي
هذا التراب لي
بل أنا له".
أما القصيدة التي يمكن نعتها بـ "النص الرعويّ"، فهي تلك التي اتّخذ الشاعر عنوانها عنوانًا لمجموعته "في ظلّ آب"، ونقرأ منها:
"في الطريق إلى منبت الضوء.. كنّا ندرّب أقدامنا.. كي نُسيحَ البريق السحيق على بتلات.. يدرّبها السّهل.. كي تستفزّ الهجير.. فيهدأ في ظلّها.. أو يسيل على وقع آب المُهلهلِ نحو الخريف القريب".
وتتكئ قصيدة "عريش آب" على الموسيقى الداخلية التي تميّز قصيدة النثر، ونقرأ منها:
"أيتها المرأة المتدلّية من عريشي القديم
أيتها العسلُ
أيتها العنقود الشذيّ بعطر الزهور المنسكبة
العصيّ على الانكسار
الغنيّ بالتوجّس
الوفيّ للدهشة
الفتيّ أبدًا
يا عنقود الأمل
خذيني من البرد لأدفأ في عريش آب".
وتنبني قصيدة "فاطمة" دراميًّا بخيوط متشابكة لتُقرأ في كتاب الجبال، وتتماهى مع رحلة نيتشه الفلسفية في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، ونقرأ في مفتتحها:
"حين يهزّ الغيم سماء آب
تهرعين نحو مِسطَبة اللغو
لتُعلّمي الكلمات فنّ التأمل في انشداه الغيم
كصوفيّ تاه في الارتقاء،
وتعلّم أن يدور في سماء العرفان دون أن يصل
غطّت عباءته الخشنة بياض نجمة الزهرة".
ويختم الزغول هذه المجموعة بنص عنوانه "مقتطفات من كتاب السيرة" يقدّم فيه ومضات من تاريخه الشخصي المتقاطع مع أحداث كبرى هزت المنطقة العربية، كاكتساح بغداد بالقصف مطلع تسعينات القرن العشرين، ثم احتلالها مطلع القرن الجديد، ودخول دمشق فصلًا من الهجير كما يقول في ختام هذه المقتطفات:
"حين ارتعش على جسد الخريف في عمّان عام 2002، مستشعرًا عودة الدمستق، لا ليأسره سيف الدولة، بل ليلتهم بوش الابن بغداد نفسها، وتضيع الحكايات القديمة، والمحقق المهرّج، حين ارتعش لم يجد من يقيل رعشته إلا موسم الزيتون القديم في وادي الرمان والعليق قرب نبع أم العبر. كانت أنوار الزيتون تخفف جروح العليق وأشواك الرمان، لكنّه لم يكن يدري أن دمشق، التي وقف مع أصدقائه يتابع سقوط بغداد من على شاشتها بعد شهور، ستسكن فصل الهجير الطويل".
/العُمانية/النشرة الثقافية/عمر الخروصي