عمّان في 24 أكتوبر /العُمانية/ يقدم الفنان التشكيلي غازي انعيم في معرضه "في انتظار فرس الغياب" تجربة جديدة على مستوى التقنية وعلى مستوى نوعية الوسائط التعبيرية وما تمثله من قيم فنية وتعبيرية تجريدية وجمالية تتسم بجدة الطرح وحداثة التشكيل واللغة، وإن كانت لا تنفصل عن إبداعات الفنان السابقة في الرسم والتصوير والحفر والطباعة والملصق.
ويضم المعرض المقام على جاليري رؤى حتى نهاية نوفمبر المقبل، أعمالًا قوامها "الفن الرقمي"، ويقول انعيم في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية حول هذه التجربة، إنه بدأها أثناء جائحة كورونا، مضيفًا أن هذا الجنس الفني هو "نوع من الدمج بين الفن والتكنولوجيا، يسمح باستخدام العديد من الطرق الجديدة لصالح اللوحة التي يعتمد تنفيذها على استخدام الفأرة في عملية الرسم والتلوين".
ويتابع انعيم بقوله: "الذي لفت نظري إلى هذه التقنية ابنتي التي كانت تبلغ سبع سنوات من العمر، إذ أنجزت مجموعة من الأعمال الفنية من خلال استخدام تقنيات رقمية، فشجعتني على خوض تجربة (الفن الرقمي)، التي تجعل اللوحة قريبة أحيانًا من تقنية الرسم بالألوان، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال البراعة في استخدام الفأرة، لا سيما أنها بديلة للريشة".
هذه التقنية التي اعتمدها الفنان أسهمت في إظهار عناصر اللوحة في فضاءات لونية مغايرة للمألوف والسائد في خطوات البحث التشكيلي والتقني، وهي تعني كما يوضح انعيم "انتزاع المرء من نفسه إلى عالم جديد؛ عالم تصنعه أنت.. عالم الفن"، مضيفًا: "هذا العالم بالنسبة لي ليس مجرد موهبة أو هواية أو صنعة، وإنما هو نشاط أمارسه كأنني أؤدي طقسًا شعائريًّا أو موسيقيًّا، ألتقط من خلاله عدة حركات تشتد وتبلغ ذروتها عبر السيمفونية الموسيقية، ثم تستعد للخفوت والذوبان من خلال فكرة أو موقف من الحياة أو ومضة من ومضاتها".
ويشير انعيم إلى أن اختيار هذه اللحظة لا يكون بفصلها عن سياقها، بل باستقطابها في دفقة تشكيلية مركزة، يقوم بتحويلها إلى "رموز وجمل بصرية تحقق من خلالها استقلالها الخاص، المرتكز على بلاغة تشكيلية بين الحركة والسكون، بين الظل والنور، بين الصخب والهدوء".
ويستند المعرض في أطروحته إلى فكرة استعادة ما غاب عنا وفقدناه؛ الأهل والمكان، والوطن، وأشياء عاشت في الذاكرة والوجدان، كالمفتاح والحصان.. وهو يقدم وجع الغياب بألوان الفرح والبهجة، كأن استعادة ذلك هي في حقيقتها إحياء جديد له.
وتشكل الألوان في اللوحات هارمونيةً بصرية، ويصف الفنان ذلك بقوله: "إنها تمثل تجليات تعبيرية على حافة التجريد، تغوص في عمق الذات الإنسانية وما يعتريها من مشاعر صراع وأحلام وآمال وأفراح.. وهي تأخذ المشاهد على ظهر الفَرس مع بقية عناصر العمل الفني في جولة ممتعة لفك شيفرة اللوحة التي تحمل أكثر من مضمون، اعتمادًا على التفاعل اللوني وكيفية التعاطي معه".
وتتضمن اللوحات مفردات من التراث وظفها الفنان عبر رموز ودلالات معاصرة، مثل تميمة "الكفّ"، إلى جانب استعادة الملابس المطرزة بألوان وتشكيلات مفرحة. يقول الفنان: "ركزت على الطبيعة وعلى المكان والحياة فيه، وهو غير معزول عن الحركة، وهذا هو محور شغفي الذي تأسست عليه الفكرة البصرية من حيث معناها المطلق، لا سيما أن المكان هو الذي شكّل وعينا وأفراحنا وأحزاننا، وهو تراثنا وماضينا وحاضرنا"، مشيرًا إلى أن لكل فنان تجربته التي يخوضها من خلال رؤيته وفلسفته الخاصة عن الحياة التي لا تنفصل عن الفن الذي هو الحياة.
ويؤكد انعيم: "تمثل التجربة الرقمية حالة جمالية خاصة وممتعة، تعكس ولعي في التنوع التقني للوسائط المختلفة على نحو غير مسبوق، حيث تتداعى وتتحاور في تآلف يفصح عن رؤى وأحاسيس وإسقاطات لا شعورية تجسد تقاربات الروح والمادة عبر معطيات اللمسات اللونية التي تتوازى مع الإيقاعات الواعية والمركزة، بحثًا عن خصوصية فنية تشكيلية حديثة ومعاصرة تحمل هاجس التجديد وتطرح جماليات مغايرة باتباع أسلوب الدمج بين الرسم والتصميم من خلال جهاز الكمبيوتر".
ويرى انعيم أن الفن الرقمي أصبح وسيلة بارزة من وسائل الإعلام الحديثة، وأصبحت له بصمته الواضحة في الأعمال الفنية المعاصرة، بالإضافة إلى أن الفن الرقمي أصبح يحظى بالاهتمام والرعاية والدعم في كثير من دول العالم.
يُذكر أن انعيم عمل صحفيًّا ومخرجًا فنيًّا ومصمّمًا للملصق وأغلفة الكتب، وإلى جانب ذلك محاضرًا في مركز الشباب الإبداعي في قطر ومعهد الفنون التابع لوزارة الثقافة الأردنية، ومحاضرًا غير متفرغ لمادة الحفر والطباعة في كلية الفنون والتصميم بالجامعة الأردنية، بالإضافة إلى أنه أسّس ورأس تحرير مجلة "التشكيلي العربي" ومجلة "براعم الوطن العربي".
/العُمانية/النشرة الثقافية/عمر الخروصي