عمّان في 29 أغسطس /العُمانية/ عقدت مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافية ندوةً بالشراكة مع وزارة الثقافة الأردنية، لإعادة قراءة تجربة الشاعر مصطفى وهبي التل "عرار"، وذلك بمناسبة اختياره من قِبَل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم رمزًا عربيًّا للثقافة لعام 2022.
وتضمّنت الندوة أربع جلسات شارك فيها عدد من النقاد والأكاديميين والدارسين ومؤرخي الأدب، عاينوا مسيرة الشاعر الحياتية والإبداعية والفكرية، والمؤثرات التي صبغت تجربته.
وفي الجلسة الأولى التي حملت عنوان "الريادة والتنوير" وأدارها د.سلطان الزغول، استعرض د.زياد الزعبي في ورقته البحثية الجهود السابقة للوصول إلى شعر عرار وآثاره، وتقصّي جوانب حياته متعددة الأبعاد.
وأشار الزعبي إلى ضرورة العمل على لمّ شتات النصوص التي كتبها عرار، ووَضْعها في إطار الأعمال الكاملة التي يجب أن تشمل كل كتاباته في الحقول المتعددة من شعر، وسرد، ومقالات أدبية ونقدية، ودراسات اجتماعية، وكتابات سياسية وقانونية، بالإضافة إلى الترجمات، وبخاصة ترجمة رباعيات عمر الخيام وما يتعلق بها من النصوص، وكتيّباه "الأئمة من قريش" و"طلال".
أما د.يوسف بكار، فرأى أنّ الدراسات التي كُتبت عن عرار في العقود الأخيرة ظلّت تدور في أُطر نمطيّة من البحث الذي يفتقر إلى المادّة المعرفيّة المتعلقة به. وناقش في ورقته حقيقة "خيّاميّة" الشاعر، والفضاءات الموسيقيّة التي تأثر فيها بالرّباعيّات، ومحاولات التجريب التي عاصرها وعرف عددًا من شعرائها من "أبوليين" و "ديوانيين" و"مهجريين".
وتوقف الناقد د.محمد عبيد الله عند ارتباط شعر عرار بالحياة اليومية وبالواقع المباشر الذي عاشه الشاعر في حياته الخاصة وفي علاقاته مع محيطه ومجتمعه وعصره، مبينًا أن الشعر عند عرار "تجربة يعيشها المرء ويكابدها، وليس بلاغةَ كلام أو صَنعة نظْم يلتمسه المرء في الكتب والمصادر والدواوين". وقال: إن بعض النقاد سمّى هذا المذهب "شعر الحياة اليومية" أو "شعرية التفاصيل"، كما أنه يتصل بالبعد الشعبي والاجتماعي في الشعر أو بما أسماه شوقي ضيف "الطوابع الشعبية".
وتحدثت د.إيمان الكيلاني عن ملامح التجديد في شعر عرار، معاينةً موقع هذا الشعر بين الأصالة والتجديد، في سياقه الزماني والمكاني، والتجديد الجواني للنص أكثر من البراني.وأشارت إلى أن "التوازي" يعدّ السمة الأسلوبية الكبرى لشعر عرار، واستعرضت أشكال التوازي في هذا الشعر، الذي "جمع بين عراقة التمرد المترسخة في الهوية الشعرية العربية الموروثة، وألق التجدد الذي تفرضه الذات التي تشكلت لتكون نسيج وحدها".
وفي الجلسة الثانية التي حملت عنوان "عرار بين الوطني والعروبي" وأدارتها د.إيمان عبد الهادي، رصد الناقد د.راشد عيسى في ورقته تأثُّرَ عدد من الشعراء بشعر عرار، ومنهم عبدالرحيم عمر وحيدر محمود وحبيب الزيودي، كما تتبّع حضور هذا التأثير في كتابات أدباء أردنيين لاحقين، مثل تيسير السبول وجريس سماوي وهاشم غرايبة، مبينًا أشكال التأثر وسماته وخصائصه.
وتحدث الباحث مجدي الرشدان عن فنّ المقالة في أدب عرار، رابطًا ذلك باشتغال الشاعر في مجال المحاماة وإتقانه طرق الصياغة النثرية بأساليب مدجّجة بالحجج والبراهين.
أما الجلسة الثالثة التي حملت عنوان "الإنسانية في شعر عرار" وأدارتها د.مها العتوم، فقدم فيها د.عبدالباسط مراشدة ورقةً عن المهمشين في شعر عرار، مشيرًا إلى أن مفهوم المهمشين لديه يلتبس بالغربة أو بالبعد الوطني أو بالقومي.
من جهته قال د.نايف العجلوني في ورقته: إن عرار كان يكتب خارج المجتمع، وهو من أوائل "اللامنتمين" في تاريخ الشعر العربي الحديث، وإن شعره تضمّن إرهاصات وجودية أصيلة تتصل بتحرير الروح وتأكيد وجود الإنسان.
ولفت العجلوني إلى أن إطلاق صفات "اللاانتماء" أو "البوهيمية" أو "الاغتراب" على تجربة عرار الحياتية والأدبية يؤكد نزعة "الخروج" المحايثة لهذه التجربة في إطار الحرية غير المشروطة. ولكن هذا الخروج "لا يعني أيّ انفكاك عن الالتزام بهموم الناس والوطن والقيم الإنسانية"، بل هو "نابع من حساسية مرهفة وقلق وجودي لا يهدأ، ومن التزام بقضايا الوطن وهموم الناس المهمّشين".
وأشار الباحث نزار ربابعة في ورقته إلى أن تجربة عرار حظيت بدراسات نقدية كثيرة، مؤكدًا على أن الشعر الجيد الذي يرقى إلى مصاف العالمية، يظلّ شعرًا حيًّا ومدار دراسة وبحث. بينما توقفت الباحثة نور بني عطا عند تجليات ظاهرة الاغتراب وطابعها الثوري في شعر عرار، موضحةً أن هذه التجليات استطاعت تجسيد الألم الذي عاناه الشاعر جرّاء غُربتَيه الاختيارية والقسرية، وأن اغتراب عرار لم يكن استعراضًا لبؤسه وحسب، بل كان يحمل بين جنباته فكرًا من شأنه استنهاض الوعي في عقول الناس.
وفي الجلسة الرابعة التي حملت عنوان "عرار والمحيط الثقافي" وترأسها الكاتب العدوان، استعرض الكاتب محمد جميعان المساجلات الشعرية التي شارك بها عرار، وتقصّى الأسباب والبواعث التي أدت إلى قيام هذا الفن، عارضًا نماذج شعرية في هذا السياق.
وتناول د.نبيل حداد في ورقته الحركةَ الشعرية في الأردن في عهد عرار، متوقفًا عند الدراما في شعر رفعت الصليبي. واستحضر حداد السمات الدرامية في أحد نصوص الصليبي من حيث المظهر الخارجي، والمعاناة الداخلية، والصراع مع الواقع المرير، مشيرًا إلى الإيقاع الدرامي الحيوي المرتهن الذي تمازج مع الأحوال وتقلب الأطوار والذروة الدرامية والعنصر الملحمي والتسلسل الكرونولوجي في العمل.
وقارب الباحث عامر أبو محارب في ورقته "تلقّي عرار في النّقد الأدبيّ" مجملَ القراءات التي خُصِّصت لقراءة شعر عرار في إطار أطروحات النّقد الأدبي، وقدّم رؤيةً فاحصةً لآفاق التلقي وإشكاليات التأويل التي أثارتها القراءات النقدية المتعاقبة لشعر عرار، بغية الكشف عن طبيعة أنماط التلقي ونزوعات القراء بين ثناياها، وما تنطوي عليه من مقولات نقدية مؤثرة.
/العُمانية/النشرة الثقافية/عمر الخروصي