عمّان في 22 أغسطس /العُمانية/ وضع التشكيلي الأردني صالح أبو شندي بصمته في مجال رسم المكان وإبراز جمالياته التراثية والحضارية، والتركيز على تجلياته الروحانية، من خلال لوحات جسّد فيها أجواء المدينة والريف والصحراء.
ويستخدم أبو شندي في إنجاز لوحاته أسلوب الرسم السريع بالأبيض والأسود (الاسكتش)، أو بالألوان المائية، وهو الأسلوب الذي اتبعه أيضًا في رسم بورتريهات بالحبر الأسود لشخصيات يعبّر حضورُها عن روح المكان وجوهره، فهذا رجل من الصحراء، وذلك رجل يعمل في الميكانيك، وتلك امرأة مبارزة بالسيف، وذاك رجل يجوب الشوارع معتقدًا أنه "نابليون". وقد التقط الفنان في كلٍّ من هذه الوجوه سمةً تشير إلى صراع الإنسان مع الوجود منذ تفتح وعيه على الحياة.
قدم أبو شندي عبر مسيرة مع الفن بدأت قبل قرابة خمسة عقود، لوحات متخيلة لمدينة عمّان، ومن تلك اللوحات ما رسمه ليعبّر عن أماكن قد تكون موجودة مستقبلًا في المدينة، ومنها: مجمع الابتكارات والاختراعات، ومنارة بأشعة "ليزر" تشرف على الأردن بأكلمه، وساعة كبيرة كقبة سماوية، والقاطرة الكهرومغناطيسية، والقاطرة الهوائية بين جبل القلعة وجبل الجوفة، والجسر المعلّق بين منطقة الأشرفية وجبل عمّان، كل هذه التفاصيل تخيل الفنان وجودها ورسمها كنوع من استشراف المستقبل الذي قد تتجسد فيه هذه الأماكن بالفعل على أرض الواقع.
درس أبو شندي في معهد الفنون بدمشق على أيدي الفنانين نذير نبعة وميشيل كرشة وغيرهما، ثم التحق في عام 1964 بمعهد الفنون بالقاهرة، ونال شهادة الدكتوراة في الجرافيك عام 1999 من الهند، وهناك تعرف على نمط جديد من الألوان وعلى ما تزخر به مشاهد الحياة من تفاصيل، إضافةً إلى الأبعاد الروحانية التي تجلّت في أعماله بشكل بارز بعد ذلك.
عشق أبو شندي أعمال الزخرفة الدقيقة وما يتصل بها من أشكال تقوم على المنمنمات الصغيرة والتراكيب الشكلية الهندسية، ويمكن ملاحظة ذلك في أعمال له استندت إلى الشكل الهندسي بينما هي تحتفي بالسنابل والأزهار والطيور والخيول والعمارة، إضافةً إلى استخدامه النمط الزخرفي في رسم الأماكن، وكذلك في اللوحات التي تنتمي للمدرسة الحروفية، إذ فُتن الفنان بجماليات الحرف العربي وبالخطوط المتنوعة.
ويمثّل الشكل الهندسي في عدد من لوحاته الخطوط الواضحة للمشهد العام الذي يرسمه، حيث يصبح الرأس دائرة، والأطراف مربعة، والأشجار كالمثلثات والمستطيلات.
وفي عدد من لوحاته يرسم أبو شندي مجاميع بشرية تعبّر عن موضوعات عدة تتصل بمفاهيم التعايش، وتدعو إلى الابتعاد عن الفتن التي صوّرها كأنها أفاعٍ تحوم بين الناس، داعيًا إلى التآلف والتكاتف بين البشر، ضمن لوحات تنتشر فيها الأجساد كأنها ظلال، وبوضعيات جسدية مختلفة، منها ما يقف بشكل رأسي ومنها ما يقف بشكل عمودي، وفي عدد من هذه اللوحات يختار الفنان الألوان الباهتة والمطفأة، وأحيانًا يمرر عليها ضربات تترك أثرًا كالكشط.
ويظهر في مثل تلك الأعمال تأثر أبو شندي بالحضارات المتعاقبة على المنطقة ورموزها، إذ تذكّر بعض الأشكال البشرية لديه برسومات الإنسان الأول على جدران الكهوف.
/العُمانية/النشرة الثقافية/ عمر الخروصي