الأخبار

فوز الأدب العُماني بالجوائز العالمية.. السبل والتأثير
فوز الأدب العُماني بالجوائز العالمية.. السبل والتأثير

مسقط في 18 يوليو/العُمانية/ مشغولة كل أمة بفكرها وأنْ يتعرف عليها الآخر، كما هي تجد أنّ في تعرف الآخر عليها فتحًا معرفيًّا، حتى نشأ ما يسمّى بعالمية الأدب، وبشيء من الاعتراف فإن المقصود بالعالمية هو قراءة منجزك الفكري من قِبل الناطقين بغير لسانك، فظهر على منوال ذلك ما عُرف بالأدب العالمي، ورأى بعضهم أن أثرهُ امتد إلى الوجدان الإنساني.

والأدب العُماني مشغول بهذا الهاجس، لذلك سعى إلى الآخر أنْ يقرأه من خلال الترجمات لمختلف اللغات، ونتيجة لهذا استطاع بعض الأدباء العُمانيين، اقتناص أرفع الجوائز العالمية، ولكن هل يعني ذلك أن الأدب العُماني أصبح في مصافّ الأدب العالمي؟

ترى الروائية والكاتبة شريفة التوبية أن الجوائز الأدبية في حدّ ذاتها سواء كانت عالمية أو عربية ليست مقياسًا لقيمة ونجاح العمل الأدبي، وتقول: بالنسبة لي لا أعتبر الأعمال الفائزة هي الأفضل على الإطلاق، قد يكون هناك أفضل منها، ومقياس الأفضلية في العمل الأدبي نسبية لدى القارئ، لأن ذلك يعتمد على ذائقة من يقرأ العمل، والفوز بالجائزة يعتمد على خيار اللجنة وفق اشتراطاتها أو رؤيتها أو توجهاتها، وحول وصول هذه الأعمال الفائزة إلى العالمية فهي نعم قد تصل إلى العالمية، وربما لولا فوزها لما وصلت ولما عرف عنها القارئ الأجنبي شيئًا، ولما ظهر اسم أي من الكُتّاب العرب، وهذا منح العمل تسويقًا ربما ما كان ليحصل عليه الكتاب في حدود محيطه العربي، ولكن كلنا يعلم أن هذه الأعمال لم تصل إلى الفوز بجائزة عالمية إذا لم تترجم، وهنا تظهر لدينا أهمية الترجمة وأهمية أن تكون لدينا مشروعات للترجمة الأدبية، وبالتالي فإن هذا الفوز يفتح الأبواب لذلك العمل أن يصبح عالميًّا والكاتب معروفًا، ومنها يترجم العمل إلى عدة لغات أخرى، فإذا كان المقصود من العالمية هنا الانتشار فنعم، والجوائز تحقق ذلك.

وترى التوبية أن الجوائز ليست كما تبدو عليه، فالجائزة العالمية على وجه الخصوص ليست في قيمتها المادية فقط ولكن في القيمة المعنوية للكاتب نفسه الذي سيصبح اسمه معروفًا في كل دول العالم، ويصبح كتابه مطلوبًا ومقروءًا، فغالبًا تكون الكتب التي تحصد جوائز هي الأكثر مبيعًا، ويصعد اسم الكاتب الفائز، وفي هذا فرصة لأن يعرف القرّاء في العالم الأدب العربي أو العُماني، ولقد سُعدنا جميعًا بفوز رواية سيدات القمر لجوخة الحارثية بجائزة مان بوكر العالمية، واعتبرنا فوزها فوزًا للرواية العُمانية والعربية ككل، لأن ذلك الفوز فتح الباب على أدب ربما كان مجهولًا لدى البعض أو الغالبية في العالم، وهذا أيضًا شجّع الكثير من الكُتّاب لأن يكون لديهم حلم بالفوز بجائزة عالمية، وبالتالي ظهرت كتابات كُتبت بإبداع كبير، روايات وكتب أدبية سردية أتوقع لها الفوز أيضًا، ولكن من جانب آخر فإن بعض الكُتّاب أصبحوا يخطّون حرفًا وعينهم على الجائزة، وهذا أسوء ما في الموضوع، حتى أتت بعض الأعمال مفصّلة وفق مقياس الجائزة، وبما يناسب متطلباتها وشروطها، مما أدى إلى ظهور أعمال أدبية كتبها أصحابها من أجل عيون الجوائز.

وفي خط متوازٍ، يرى الدكتور أحمد يوسف، وهو أكاديمي جزائري بجامعة السُّلطان قابوس، أن الكتابة الروائيّة في سلطنة عُمان بدأت بداية خجولة ومتواضعة فنيًّا لأسباب عديدة ليس هنا مقام الإفاضة في دواعيها، وظلّت تتلمس طريقها منذ السبعينات نحو النضوج الفنيّ وتكامل أجناسها، وقد سجّلت حضورها في المشهد الثقافيّ العربيّ بعد أن ظهرت رواية "ملائكة الجبل الأخضر" في عُمان بتوقيع الأديب عبد الله الطائيّ 1958، ونشرت في 1963؛ إذ تُعدّ في نظر مؤرخي الأدب أول عمل روائيّ من ناحية الريادة الزمنيّة، وتتبعها الرواية الثانية "الشراع الكبير" التي طُبعت عام 1981، وعلى الرغم من هذا التأخر في كثرة الإنتاج وجودة الإبداع وجرأة التجريب؛ فقد برزت بعض التجارب دفعت الرواية العُمانيّة إلى الصدارة، بل إلى مصاف العالميّة؛ إذ وصلت بعض الروايات على الصعيد الإقليميّ إلى مراكز متقدّمة في جوائز عربيّة مثل وصول "تبكي الأرض يضحك زحل" للكاتب الراحل عبد العزيز الفارسي إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في العام 2008، و"سيدات القمر" لجوخة الحارثية إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد وفازت "الأشياء ليست في أماكنها" لهدى حمد بجائزة الشارقة للإبداع الروائي العام 2009.

ومن الأسماء التي كان لها نشاط مشهود على صعيد كثرة النشر الروائيّ سعود المظفر، فقارب إنتاجه الروائيّ عشر روايات، وبرزت أسماء أخرى مثل سيف السعدي ومبارك العامريّ وعلي المعمريّ. ويمكن أن نعدّ "الطواف حيث الجمر" لبدرية الشحيّة عام 1999 و"همس الجسور" لعلي المعمري من أنضج الروايات التي تمثّل البدايات الحقيقية للرواية في عُمان. وصرنا أمام تجارب روائيّة لافتة مثل حسين العبريّ ومحمد العريمي ومحمد بن سيف الرحبي وأحمد الزبيديّ وعبد العزيز الفارسي وسليمان المعمري وخالد الكنديّ ويونس الأخزميّ وأحمد الرحبيّ ومحمود الرحبيّ وحمود الشكيليّ وسلطان العزري وسالم آل توية وزهران القاسميّ، ومحمّد اليحيائيّ وغيرهم.

كما كان للمرأة العُمانيّة حضور لافت في المشهد الروائيّ مثل "غالية آل سعيد وفاطمة الشيديّة وهدى حمد وأزهار أحمد وزوينة الكلبانيّة وبشرى خلفان وبدريّة البدريّة وعزيزة الطائية"، وبعضها قد نال جوائز محليّة مثل رواية نارنجة لجوخة الحارثية التي حصلت على جائزة السُّلطان قابوس، ثمّ وصول رواية "سيدات القمر" إلى العالمية بحصولها على جائزة بوكر مان العالمية المترجمة إلى الإنجليزية، وفي نظري إنّ الطريق إلى العالميّة يمرّ عبر قوّة الإبداع وخصوبة الخيال واستكشاف الثراء الموجود في الثقافة المحليّة والتحكّم في الكتابة الروائيّة؛ ولكن يجب أن لا نبالغ في القول إنّه بمجرد نيل رواية سيدات القمر جوائز عديدة إنجليزية وفرنسية وفي القائمة الطويلة في الروايات المترجمة إلى الروسيّة أنّ الرواية العُمانيّة وصلت إلى العالميّة. إنّنا أمام حالة فرديّة ما زال الطريق طويلًا أمامها لكي تصبح حالة موضوعيّة تعبّر عن اتّجاه روائيّ في عُمان؛ ولكنّها خطوة مهمّة كسرت جدار العزلة، وعرّفت بعُمان التاريخ والثقافة.

أما الكاتب والروائي سالم بن ربيع الغيلاني فيقول: بلا شك إن الفوز بجائزة عالمية أو عربية مرموقة مؤشر مهم من مؤشرات عالمية ذلك العمل؛ ووسيلة قوية لانتشار أي عمل وتعريف الناس به؛ ولكنه لا يعد المقياس الرئيس لهذا الأمر؛ لأن تقبُّل الجمهور لذلك العمل هو الفيصل لنجاحه أو فشله بغضِّ النظر عما يمكن أن يقوله النقاد أو ما تخرج به نتائج المسابقات التي تستهدف مثل هذه الأعمال، ففي النهاية تخضع المسابقات لأمزجة وتوجهات عدد من الشخوص الذين يقررون فيما بينهم أصالة عمل وعدم أصالة آخر؛ لذا يظل الجمهور هم المقياس الحقيقي والأكثر صدقًا فيما يتعلق بالأعمال التي تتعلق بالذائقة والتفاعل كونهم المستهدَف من ذلك العمل وليست المسابقات أو النقاد.

ويضيف الغيلاني: نحن مجتمع دأب على الابتعاد عن مواضع لفت الانتباه، والانزواء حيث تكون الأضواء أكثر خفوتًا والازدحام أقل تأثيرًا، لذلك من الصعب التعرف علينا والتمعن في تفاصيلنا المختلفة، وفي المقابل علينا أن نُعرّف بثقافتنا، وبهُويتنا، وبأصالتنا وما قدّمناه للبشرية من منجز حضاري، ونفرض أنفسنا على خارطة الانتباه العالمي في المجالات كافة، حتى ننجح في إيصال صوتنا الثقافي ومثقفي مجتمعنا لذلك الفضاء الفسيح، وهو عمل تراكمي وتكاملي لا يقتصر على حجم نتاجنا الأدبي بل على حجم تأثيرنا السياسي والاقتصادي وما نضيفه للتراث العالمي، وعلينا في البداية أن نلفت انتباه العالم لكينونة مجتمعنا بتفاصيلها المختلفة، وبعد ذلك سيكون كل شيء ممكنًا ومتاحًا، وهو أمر جيد من وجه ومضرّ من أوجه كثيرة؛ لذلك فإن النتائج التي تتحقق لبعض كُتّابنا ومثقفينا بين فترة وأخرى لا تعد كافية، ولا تطفئ الرغبة المتأججة في النفوس الطامحة للوصول للعالمية والانتشار الكوني الواسع، لذا أعتقد وحسب رأيي المتواضع أن أمامنا في سلطنة عُمان طريقًا طويلًا للوصول إلى هذا الهدف في ظل المعطيات المتاحة حاليًّا، فما يزال العالم المتذوق للثقافة والأدب يتعرف علينا عبر المناسبات ضيقة الجمهور ونخبويته، هذا إلى جانب أن الغالبية العظمى من نتاجنا الثقافي أحادي اللغة ولم تطاله يد الترجمة لكي يكون متاحًا للراغبين في سماع صوتنا الثقافي والتعرف على ثقافتنا.

وأخيرا ترى الكاتبة صفاء الوضاحية أن الفوز بالجوائز العالمية في المجال الأدبي يعني تميُّز العمل وأحقيَّته وعالميته، فالفوز بالجائزة سواء كانت عالمية أم عربية يعني ارتفاع أسهم الكاتب والعمل الذي فاز بهِ في الأوساط الثقافية والإعلامية، مما يجعله عملًا عالميًّا يحظى بالاهتمام الكبير والسبق الإعلامي الذي يعزز من اعتلائه المنابر، ويجعله محط أنظار الجميع وتشوقهم لاقتنائهِ، كتحفةٍ أدبية ثمينة لها وزنها الخاص، وأن جمالية السرد وترابطه وقوته وإبداع الكاتب في استخدام الأساليب اللغوية والرمزيات داعم قوي لتكامل العمل الأدبي والرواية بشكلٍ خاص، وأخيرًا لا بدّ من التأكيد على أن الله قد حبا عُمان موروثا حضاريًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وبيئيًّا غنيًّا بالجمال الذي يُسهِّل من خلق الفكرة التي هي طريق للعالمية.

وترى الوضاحية أن ثمة نتائج ثقافية سوف تحقق الفوز بتلك الجوائز لها الأثر الاِيجابي للكاتب نفسه وللأدب العُماني بشكل عام، حيث إن الكاتب سيتم وضعه في عين المجهر، وبروز اسمه ووصولهُ للأوساط الثقافية والإعلامية العالمية، وتتسابق دور النشر والقرَّاء من مختلف الدولِ للحصول على عمله الأدبي الفائز وأعماله السابقة والقادمة، كما أنَّه يعزز من قيمة الأدب العُماني والكاتب العُماني مما يجعل الطلب عليه متواصلا في المحافل الأدبية، والثقافية، والإعلامية العالمية، ويكسب الكاتب العُماني الثقة والاسم الذي يليق بعُمان ميلاد الأدباءِ والشعراء.

/العُمانية/ خميس خاطر /النشرة الثقافية/